كنت طبيبا لصدام الجزء الاول
صفحة 1 من اصل 1
كنت طبيبا لصدام الجزء الاول
صدر كتاب الدكتور علاء بشير، طبيب صدام الخاص باللغتين النرويجية والعربية (دار الشروق في القاهرة) وتتولى 17 دار نشر اخرى في العالم ترجمته الى مختلف لغات الدنيا لأهميته. اراد الدكتور الفنان علاء بشير من كتابه إعطاء صورة اقرب الى الحقيقة للجيل المقبل حول مرحلة مأساوية من تاريخ العراق، آملا ان تساهم هذه الرواية للاحداث في منع تكرار هذه المأساة الكارثية التي ارتكبها شخص مريض يرتاب لكل شيء حوله الى درجة حوَّل معها العراق الى بركة دم.
ويحمِّل بشير الشعب العراقي جزءا من مسؤولية وصول صدام الى السلطة واستمراره لثلاثة عقود، لكنه يقر بانه لم يكن ليستطيع رفض منصبه بعد ان ملأ عشرات الاوراق ورد على مئات الاسئلة، وقد كان آخر لقاء للطبيب مع صدام قبل 6 اسابيع من الحرب لفحص ظهره
صــدام:أنت علاء بشير الفنان.. ستصبح طبيبي الـخاص
أعددنا احتياجات المستشفيات من دون أن نعرف بالـحرب مع ايران:
في حدود الساعة الخامسة صباحا من يوم الثالث والعشرين من سبتمبر من عام 1980 يقظني صوت انفجار هائل. كنت قد قضيت الليل في مستشفي الواسطي في بغداد، فقفزت من سريري ونظرت من النافذة لأري النيران والدخان الاسود فوق حي زيونة، وهو من الاحياء الخاصة بالجيش. كانت بشائر اشعة الشمس قد بدأت علي استحياء تشق الظلام في هذا الوقت المبكر من الفجر، حيث انعكست ذهبية لامعة علي اجنحة قاذفات القنابل التي كانت تحلق فوق هذا الحي من المدينة وتلقي بأحمالها المميتة.
كان اول خاطر يخطر لي هو انها محاولة انقلاب، ولكنني ريت بعد ذلك ان الطائرات يرانية. ففي اليوم السابق كان صدام حسين قد امر السلاح الجوي من جهة، والجنود بدباباتهم من جهة اخري، ان يتوغلوا في الاراضي اليرانية في الجبهة الشمالية والجنوبية في شرق البلاد التي يبلغ طولها خمسمائة كيلومتر.
ها هو إذن رد طهران.
بعد ذلك بعشرين دقيقة وصلت اولي سيارات الاسعاف لتنقل الموتي والجرحي. كان اول الضحيا ولد في الخامسة من عمره، كان قد قضي الليلة مع والديه واخوته الكثيرين فوق سطح المنزل ليستمتعوا بنسمات الخريف الباردة. كان رأسه قد فصل عن جسمه، لا يربطه به سوي بعض الجلد المغطي بالدماء والطين والغبار. وكان والده ووالدته واخته قد لقوا يضا حتفهم بعدما أطاح بهم الضغط الشديد الناجم عن انفجار قنبلة بالقرب من السطح الي حديقتهم الصغيرة. كان منظر الدم المتجلط والطين الاحمر والغبار يستدعي في النفس صورة التماثيل السومرية من الطين المحروق.
صراع طويل:
في الراديو الذي ادرته علي برنامج الموجة القصيرة «صوت اميركا» كان احد المحللين في وكالة المخابرات الاميركية يعلق علي اندلاع الحرب. ما زلت اتذكر انه قد تنبأ بصراع طويل، دموي إلي أقصي الحدود، مضيفا ان هذا الصراع سيستمر لسنوات طويلة ولن يخرج منه اي من العراق او يران مكللا بالنصر.
لا اعتقد ان محلل وكالة المخابرات الاميركية كان يدرك انه مُحِقٌّ فيما قاله.
أذهلتني مفاجأة الحرب تماما، لكن في واقع الامر ربما كان عليَّ ان استشعر ان شيئا ما سيحدث؛ فقبل ذلك بستة اشهر كنت عضوا في لجنة طارئة كانت مهمتها التحري عن مدي حاجة المستشفيات المدنية والعسكرية في العراق الي الادوية والمعدات وغيرها من التجهيزات الطبية. كان نصف اعضاء اللجنة من وزارة الصحة والنصف الآخر عينته وزارة الدفاع، وكان يتكون من الضباط والاطباء علي حد سواء، وحتي عندما طُلب منا بعد عدة اشهر من تشكيل اللجنة ان نعطي بيانات محددة عن مدي النقص في المحاليل وبلازما الدم ومراهم الحروق والمضادات الحيوية الضرورية في حال حدوث «كارثة وطنية» قد تخلف من الجرحي ما قد يصل الي عشرة آلاف جريح، حتي عندها لم ادرك انني اشترك في الاعداد للحرب ضد جيراننا!
السيطرة علي شط العرب
علمنا ان شط العرب هو السبب وراء هجوم القوات المسلحة العراقية علي يران. ففي الشمال من مدينة البصرة يلتقي نهرا دجلة والفرات ليكونا هذا النهر العظيم الذي يواصل سيره لمسافة مائة كيلومتر حتي يصب في الخليج العربي لتكوّن بذلك آخر ثمانين كيلومترا من مجراه الحدود بين العراق ويران. يمثل شط العرب المنفذ الوحيد للعراق علي الخليج العربي. ويحكي ان السندباد في «ألف ليلة وليلة» قد ابحر من شطّ العرب في رحلاته الاسطورية.
حارب العرب في الغرب واليرانيون في الشرق لمئات السنين من اجل السيطرة علي هذا النهر المهم استراتيجيا والمتعرض لظاهرة المد والجزر، والذي يشهد حركة ملاحية نشطة. كانت الحدود بين العرب واليرانيين تسير في الجزء الاكبر من النهر بمحاذاة ضفة النهر في الجانب اليراني.
في شهر مارس من عام 1975 اعلن في اجتماع الوزراء في منظمة الاوبك في الجزائر ان صدام حسين والشاه اليراني محمد رضا بهلوي قد اتفقا علي تعديل الحدود لتسير بمحاذاة اعمق نقطة في عرضه.
كانت يران تساند حينها بالمال والسلاح زعيم الاكراد مصطفي البرزاني ومحاربيه المعروفين باسم البشمركة الذين قاموا بتمرد جديد ضد القوات الحكومية في شمال العراق، وذلك بعد ان ساد جو من الهدوء النسبي في المناطق الجبلية، وهو ما يرجع الفضل فيه الي اتفاقية مهمة بين صدام وبرزاني في عام 1970، حيث اتفق كل من الطرفين علي ان يحصل الاكراد في خلال الاعوام الاربعة التالية علي ما يشبه الحكم الذاتي الكامل، لكن كالمعتاد كان هذا وعدا زائفا، ففي مارس من عام 1974 انتهت المهلة المحددة لتشكيل حكومة الحكم الذاتي دون ان يمنح صدام الاكراد استقلالهم الذي كان قد وافق عليه كتابيا.
في بادئ الامر لم يجد مصطفي البرزاني اي صعوبات في ان يحرك الشاه اليراني الذي تجمعه علاقة طيبة بالوليات المتحدة الاميركية لمساندة ثورة الاكراد التي بدأها بعدما تبين له انه قد خُدع من قِبَل صدام. كانت واشنطن لا تزال تتابع تقرب العراق من الاتحاد السوفيتي بعظيم الارتياب، لذا لم يكن مضرا بالمصالح الغربية ان تسهم ثورات جديدة وحرب اخري في اضعاف النظام في بغداد اقتصاديا وسياسيا، ذلك ما كانت تعتقده كل من وكالة المخابرات الاميركية والبيت الابيض.
لكن الشاه طعن الاكراد في ظهورهم عن طريق اتفاقية الجزائر في عام 1975، فلم يعد المتمردون يحصلون علي السلاح والمال، وذلك عندما اعلن صدام موافقته علي تحديد الحدود الجديدة في وسط شط العرب. عندها وجد البرزاني نفسه مجبرا علي وقف الاعمال القتالية الي اجل مسمي، وهرب الي يران حيث كان يقيم هناك مائة الف لاجئ كردي، معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ.
كان من المقرر ان تنهي اتفاقية الجزائر التي وقَّع عليها كل من العراق ويران الصراع بين الشعبين الشقيقين الي الابد. ذلك ما ورد في الاتفاقية، لكن لم تمر سوي اعوام قلائل حتي اخذت الاتهامات تنهمر من جديد بسبب انتهاك الحدود في شط العرب، سواء من جانب بغداد او من جانب طهران، وفي اثناء ذلك أُسقِط الشاه المريض بالسرطان، واستولت الاصولية الشيعية بعد ثورة 1979 علي السلطة بقيادة ية الله روح الله الخميني.
ولم تتحسن العلاقة بين «الشعبين الشقيقين» عندما عاد خميني يساند بالمال والسلاح البرزاني والبشمركة الذين بدأوا تمردا من جديد في المناطق الكردية في شمال العراق.
كانت الاخبار المستمرة حول انتهاك يران للحدود في شط العرب او في اماكن اخري بمحاذاة خط الحدود الطويل تلقي بظلالها علي فصل الصيف السابق لاندلاع الحرب، فقام الجيش العراقي ببعض الاعمال الانتقامية في الاراضي اليرانية ردا علي ذلك، لكنني لم اكن اري ــ مثلي مثل معظم العراقيين ــ ان هذه المناوشات من شأنها ان تصبح حربا حقيقية.
أسباب أخري للحرب
إذن بدأت الحرب.
اعلن الجانب الرسمي ان انتهاكات يران المستمرة للحدود جعلت شن هجوم علي يران امرا لا مفر منه، لكننا كنا نظن ان هناك اسبابا اخري خفية لهذا الاندلاع الفجائي للحرب.
وعند التأمل العميق يمكن ان نفهم بسهولة ان الخميني واتباعه كانوا يسببون الخوف والرعب لصدام والنخبة السنية المحيطة به، حيث كان معظم العراقيين في آخر الامر شيعة، مثلهم مثل الاصوليين الذين استولوا علي السلطة في يران، ولم يكن احد يعلم اذا ما كانت الثورة الاسلامية يمكن ان تمتد الي العراق العلماني ام لا؟
كان نزار الخزرجي واحدا من اهم قادة صدام العسكريين، حيث عين رئيسا لأركان الحرب في نهية الحرب مع يران التي امتدت ثمانية اعوام. كان نزار لا يخفي عليّ ابدا ان الرئيس كان يري ان الهجوم علي يران امر ضروري ليتقي به هجوما مستقبليا من يران. «كان لابد من الهجوم قبل ان يتمكن ية الله ومن معه من الموالي ان يستعيدوا القوة الحربية الكبيرة للجيش اليراني الذي كان قد شهد ضعفا كبيرا في صفوفه بسبب الفوضي التي عمت بعد سقوط الشاه، وبعد عمليات التطهير التي قام بها الضباط بعضهم بين بعض. كانت نصيحة المخابرات الحربية العراقية لصدام واضحة».
طرد الخميني
كانت العلاقات بين الرجلين القويين في بغداد وطهران قد تجمدت بعدما القي بالخميني في شهر اكتوبر من عام 1978 خارج مدينة النجف في العراق ــ المدينة المقدسة لدي الشيعة ــ حيث كان ية الله يبلغ من العمر آنذاك ستة وسبعين عاما. كان قبلها بأربعة عشر عاما قد عبر الحدود الي العراق ونزل بالقرب من ضريح الامام علي بعدما احتدم الخلاف بينه وبين الشاه، واضطر الي الذهاب للمنفي.
كان الشاعر والاديب الذي تقلد منصب وزير الاعلام والثقافة، شفيق الكمالي، قد كُلف بإبلاغ الخميني برسالة صدام التي فحواها ان استمرار بقاء ية الله في النجف من شأنه ان يصبح خطرا علي امن العراق ومصلحته القومية، وانه بالنظر الي الحالة غير المستقرة والمتوترة في يران، وحفاظا علي العلاقة بين البلدين، فإن عليه ان يرحل.
لا سلام ولا نظرة
دخل الكمالي ومعه وفد كبير شقة الخميني في المدينة المقدسة، وقبل ان يسمح لهم بالدخول علي الخميني، ظهر سكرتيره الخاص واخبرهم ان ية الله الخميني لا يرغب في مصافحة احد، وان عليهم ان يكتفوا بتحية الاسلام المعروفة «السلام عليكم»، وعندما دخلوا الحجرة التي يستقبل فيها الخميني ضيوفه، كان الخميني يجلس مع المترجم علي الارض. قال الكمالي: «السلام عليكم»، لكن ية الله رد عليه السلام ببرود ولم ينهض يضا، فكان علي اعضاء الوفد العراقي ان يجلسوا هم يضا علي الارض، قبل ان يصرح وزير الاعلام والثقافة برغبة صدام.
كان الخميني يحملق في سقف الحجرة او في مترجمه او سكرتيره بشكل لافت للانتباه، فلم يكن لينعم علي وزير الاعلام او اي من المبعوثين من بغداد بنظرة واحدة. كان يجيب عن الاسئلة بنعم او بلا، او يترك مهمة الاجابة عنها لسكرتيره الخاص. ولم ينظر الخميني الي الرسل القادمين من بغداد الا بعد ان انتهي الحديث الذي لم يدع فيه الكمالي مجالا للشك في انه لا يوجد حل آخر سوي ان يغادر الخميني العراق في اقرب وقت ممكن.
ويحمِّل بشير الشعب العراقي جزءا من مسؤولية وصول صدام الى السلطة واستمراره لثلاثة عقود، لكنه يقر بانه لم يكن ليستطيع رفض منصبه بعد ان ملأ عشرات الاوراق ورد على مئات الاسئلة، وقد كان آخر لقاء للطبيب مع صدام قبل 6 اسابيع من الحرب لفحص ظهره
صــدام:أنت علاء بشير الفنان.. ستصبح طبيبي الـخاص
أعددنا احتياجات المستشفيات من دون أن نعرف بالـحرب مع ايران:
في حدود الساعة الخامسة صباحا من يوم الثالث والعشرين من سبتمبر من عام 1980 يقظني صوت انفجار هائل. كنت قد قضيت الليل في مستشفي الواسطي في بغداد، فقفزت من سريري ونظرت من النافذة لأري النيران والدخان الاسود فوق حي زيونة، وهو من الاحياء الخاصة بالجيش. كانت بشائر اشعة الشمس قد بدأت علي استحياء تشق الظلام في هذا الوقت المبكر من الفجر، حيث انعكست ذهبية لامعة علي اجنحة قاذفات القنابل التي كانت تحلق فوق هذا الحي من المدينة وتلقي بأحمالها المميتة.
كان اول خاطر يخطر لي هو انها محاولة انقلاب، ولكنني ريت بعد ذلك ان الطائرات يرانية. ففي اليوم السابق كان صدام حسين قد امر السلاح الجوي من جهة، والجنود بدباباتهم من جهة اخري، ان يتوغلوا في الاراضي اليرانية في الجبهة الشمالية والجنوبية في شرق البلاد التي يبلغ طولها خمسمائة كيلومتر.
ها هو إذن رد طهران.
بعد ذلك بعشرين دقيقة وصلت اولي سيارات الاسعاف لتنقل الموتي والجرحي. كان اول الضحيا ولد في الخامسة من عمره، كان قد قضي الليلة مع والديه واخوته الكثيرين فوق سطح المنزل ليستمتعوا بنسمات الخريف الباردة. كان رأسه قد فصل عن جسمه، لا يربطه به سوي بعض الجلد المغطي بالدماء والطين والغبار. وكان والده ووالدته واخته قد لقوا يضا حتفهم بعدما أطاح بهم الضغط الشديد الناجم عن انفجار قنبلة بالقرب من السطح الي حديقتهم الصغيرة. كان منظر الدم المتجلط والطين الاحمر والغبار يستدعي في النفس صورة التماثيل السومرية من الطين المحروق.
صراع طويل:
في الراديو الذي ادرته علي برنامج الموجة القصيرة «صوت اميركا» كان احد المحللين في وكالة المخابرات الاميركية يعلق علي اندلاع الحرب. ما زلت اتذكر انه قد تنبأ بصراع طويل، دموي إلي أقصي الحدود، مضيفا ان هذا الصراع سيستمر لسنوات طويلة ولن يخرج منه اي من العراق او يران مكللا بالنصر.
لا اعتقد ان محلل وكالة المخابرات الاميركية كان يدرك انه مُحِقٌّ فيما قاله.
أذهلتني مفاجأة الحرب تماما، لكن في واقع الامر ربما كان عليَّ ان استشعر ان شيئا ما سيحدث؛ فقبل ذلك بستة اشهر كنت عضوا في لجنة طارئة كانت مهمتها التحري عن مدي حاجة المستشفيات المدنية والعسكرية في العراق الي الادوية والمعدات وغيرها من التجهيزات الطبية. كان نصف اعضاء اللجنة من وزارة الصحة والنصف الآخر عينته وزارة الدفاع، وكان يتكون من الضباط والاطباء علي حد سواء، وحتي عندما طُلب منا بعد عدة اشهر من تشكيل اللجنة ان نعطي بيانات محددة عن مدي النقص في المحاليل وبلازما الدم ومراهم الحروق والمضادات الحيوية الضرورية في حال حدوث «كارثة وطنية» قد تخلف من الجرحي ما قد يصل الي عشرة آلاف جريح، حتي عندها لم ادرك انني اشترك في الاعداد للحرب ضد جيراننا!
السيطرة علي شط العرب
علمنا ان شط العرب هو السبب وراء هجوم القوات المسلحة العراقية علي يران. ففي الشمال من مدينة البصرة يلتقي نهرا دجلة والفرات ليكونا هذا النهر العظيم الذي يواصل سيره لمسافة مائة كيلومتر حتي يصب في الخليج العربي لتكوّن بذلك آخر ثمانين كيلومترا من مجراه الحدود بين العراق ويران. يمثل شط العرب المنفذ الوحيد للعراق علي الخليج العربي. ويحكي ان السندباد في «ألف ليلة وليلة» قد ابحر من شطّ العرب في رحلاته الاسطورية.
حارب العرب في الغرب واليرانيون في الشرق لمئات السنين من اجل السيطرة علي هذا النهر المهم استراتيجيا والمتعرض لظاهرة المد والجزر، والذي يشهد حركة ملاحية نشطة. كانت الحدود بين العرب واليرانيين تسير في الجزء الاكبر من النهر بمحاذاة ضفة النهر في الجانب اليراني.
في شهر مارس من عام 1975 اعلن في اجتماع الوزراء في منظمة الاوبك في الجزائر ان صدام حسين والشاه اليراني محمد رضا بهلوي قد اتفقا علي تعديل الحدود لتسير بمحاذاة اعمق نقطة في عرضه.
كانت يران تساند حينها بالمال والسلاح زعيم الاكراد مصطفي البرزاني ومحاربيه المعروفين باسم البشمركة الذين قاموا بتمرد جديد ضد القوات الحكومية في شمال العراق، وذلك بعد ان ساد جو من الهدوء النسبي في المناطق الجبلية، وهو ما يرجع الفضل فيه الي اتفاقية مهمة بين صدام وبرزاني في عام 1970، حيث اتفق كل من الطرفين علي ان يحصل الاكراد في خلال الاعوام الاربعة التالية علي ما يشبه الحكم الذاتي الكامل، لكن كالمعتاد كان هذا وعدا زائفا، ففي مارس من عام 1974 انتهت المهلة المحددة لتشكيل حكومة الحكم الذاتي دون ان يمنح صدام الاكراد استقلالهم الذي كان قد وافق عليه كتابيا.
في بادئ الامر لم يجد مصطفي البرزاني اي صعوبات في ان يحرك الشاه اليراني الذي تجمعه علاقة طيبة بالوليات المتحدة الاميركية لمساندة ثورة الاكراد التي بدأها بعدما تبين له انه قد خُدع من قِبَل صدام. كانت واشنطن لا تزال تتابع تقرب العراق من الاتحاد السوفيتي بعظيم الارتياب، لذا لم يكن مضرا بالمصالح الغربية ان تسهم ثورات جديدة وحرب اخري في اضعاف النظام في بغداد اقتصاديا وسياسيا، ذلك ما كانت تعتقده كل من وكالة المخابرات الاميركية والبيت الابيض.
لكن الشاه طعن الاكراد في ظهورهم عن طريق اتفاقية الجزائر في عام 1975، فلم يعد المتمردون يحصلون علي السلاح والمال، وذلك عندما اعلن صدام موافقته علي تحديد الحدود الجديدة في وسط شط العرب. عندها وجد البرزاني نفسه مجبرا علي وقف الاعمال القتالية الي اجل مسمي، وهرب الي يران حيث كان يقيم هناك مائة الف لاجئ كردي، معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ.
كان من المقرر ان تنهي اتفاقية الجزائر التي وقَّع عليها كل من العراق ويران الصراع بين الشعبين الشقيقين الي الابد. ذلك ما ورد في الاتفاقية، لكن لم تمر سوي اعوام قلائل حتي اخذت الاتهامات تنهمر من جديد بسبب انتهاك الحدود في شط العرب، سواء من جانب بغداد او من جانب طهران، وفي اثناء ذلك أُسقِط الشاه المريض بالسرطان، واستولت الاصولية الشيعية بعد ثورة 1979 علي السلطة بقيادة ية الله روح الله الخميني.
ولم تتحسن العلاقة بين «الشعبين الشقيقين» عندما عاد خميني يساند بالمال والسلاح البرزاني والبشمركة الذين بدأوا تمردا من جديد في المناطق الكردية في شمال العراق.
كانت الاخبار المستمرة حول انتهاك يران للحدود في شط العرب او في اماكن اخري بمحاذاة خط الحدود الطويل تلقي بظلالها علي فصل الصيف السابق لاندلاع الحرب، فقام الجيش العراقي ببعض الاعمال الانتقامية في الاراضي اليرانية ردا علي ذلك، لكنني لم اكن اري ــ مثلي مثل معظم العراقيين ــ ان هذه المناوشات من شأنها ان تصبح حربا حقيقية.
أسباب أخري للحرب
إذن بدأت الحرب.
اعلن الجانب الرسمي ان انتهاكات يران المستمرة للحدود جعلت شن هجوم علي يران امرا لا مفر منه، لكننا كنا نظن ان هناك اسبابا اخري خفية لهذا الاندلاع الفجائي للحرب.
وعند التأمل العميق يمكن ان نفهم بسهولة ان الخميني واتباعه كانوا يسببون الخوف والرعب لصدام والنخبة السنية المحيطة به، حيث كان معظم العراقيين في آخر الامر شيعة، مثلهم مثل الاصوليين الذين استولوا علي السلطة في يران، ولم يكن احد يعلم اذا ما كانت الثورة الاسلامية يمكن ان تمتد الي العراق العلماني ام لا؟
كان نزار الخزرجي واحدا من اهم قادة صدام العسكريين، حيث عين رئيسا لأركان الحرب في نهية الحرب مع يران التي امتدت ثمانية اعوام. كان نزار لا يخفي عليّ ابدا ان الرئيس كان يري ان الهجوم علي يران امر ضروري ليتقي به هجوما مستقبليا من يران. «كان لابد من الهجوم قبل ان يتمكن ية الله ومن معه من الموالي ان يستعيدوا القوة الحربية الكبيرة للجيش اليراني الذي كان قد شهد ضعفا كبيرا في صفوفه بسبب الفوضي التي عمت بعد سقوط الشاه، وبعد عمليات التطهير التي قام بها الضباط بعضهم بين بعض. كانت نصيحة المخابرات الحربية العراقية لصدام واضحة».
طرد الخميني
كانت العلاقات بين الرجلين القويين في بغداد وطهران قد تجمدت بعدما القي بالخميني في شهر اكتوبر من عام 1978 خارج مدينة النجف في العراق ــ المدينة المقدسة لدي الشيعة ــ حيث كان ية الله يبلغ من العمر آنذاك ستة وسبعين عاما. كان قبلها بأربعة عشر عاما قد عبر الحدود الي العراق ونزل بالقرب من ضريح الامام علي بعدما احتدم الخلاف بينه وبين الشاه، واضطر الي الذهاب للمنفي.
كان الشاعر والاديب الذي تقلد منصب وزير الاعلام والثقافة، شفيق الكمالي، قد كُلف بإبلاغ الخميني برسالة صدام التي فحواها ان استمرار بقاء ية الله في النجف من شأنه ان يصبح خطرا علي امن العراق ومصلحته القومية، وانه بالنظر الي الحالة غير المستقرة والمتوترة في يران، وحفاظا علي العلاقة بين البلدين، فإن عليه ان يرحل.
لا سلام ولا نظرة
دخل الكمالي ومعه وفد كبير شقة الخميني في المدينة المقدسة، وقبل ان يسمح لهم بالدخول علي الخميني، ظهر سكرتيره الخاص واخبرهم ان ية الله الخميني لا يرغب في مصافحة احد، وان عليهم ان يكتفوا بتحية الاسلام المعروفة «السلام عليكم»، وعندما دخلوا الحجرة التي يستقبل فيها الخميني ضيوفه، كان الخميني يجلس مع المترجم علي الارض. قال الكمالي: «السلام عليكم»، لكن ية الله رد عليه السلام ببرود ولم ينهض يضا، فكان علي اعضاء الوفد العراقي ان يجلسوا هم يضا علي الارض، قبل ان يصرح وزير الاعلام والثقافة برغبة صدام.
كان الخميني يحملق في سقف الحجرة او في مترجمه او سكرتيره بشكل لافت للانتباه، فلم يكن لينعم علي وزير الاعلام او اي من المبعوثين من بغداد بنظرة واحدة. كان يجيب عن الاسئلة بنعم او بلا، او يترك مهمة الاجابة عنها لسكرتيره الخاص. ولم ينظر الخميني الي الرسل القادمين من بغداد الا بعد ان انتهي الحديث الذي لم يدع فيه الكمالي مجالا للشك في انه لا يوجد حل آخر سوي ان يغادر الخميني العراق في اقرب وقت ممكن.
khalid- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى