منتدى العمشان
كنت  طبيبا  لصدام     الجزء الثالث Ezlb9t10

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى العمشان
كنت  طبيبا  لصدام     الجزء الثالث Ezlb9t10
منتدى العمشان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كنت طبيبا لصدام الجزء الثالث

اذهب الى الأسفل

كنت  طبيبا  لصدام     الجزء الثالث Empty كنت طبيبا لصدام الجزء الثالث

مُساهمة من طرف khalid الخميس نوفمبر 01, 2007 1:14 pm

مأساة الحرب مع إيران

عند التحاقي بفريق الأطباء الخاص بالرئيس، كان الفريق يتكون من عشرة من الأطباء المتخصصين الذين يتولون علاجه، هو وأفراد أسرته القريبين منه. وبالتدريج أصبحنا من عشرين إلي خمسة وعشرين طبيبا. كان صدام يهتم دائما اهتماما بالغا بأن يدفع قيمة الاستشارات والخدمات التي طلبها، إذ لم يكن يحب أن يكون مدينا لأحد بشيء. كان صدام يعبّر عن احترامه لي وتقديره في كل مناسبة ألتقيه فيها. كان يحميني من كل الذئاب المحيطة به، والذين كان ارتيابهم وعدم رضائهم عن أن احترامي لدي الرئيس يزداد يوما بعد يوم. كان ذلك له قيمة الذهب.

كان هناك كثيرون لم يواتهم الحظ مثلي، ففي أثناء الحرب كانت قوات الأمن والمخابرات تقتفي أثر من يعارض الرئيس ونظامه أو من تظن فيه ذلك. وكانت هذه الأعمال تزداد ضراوة يوما بعد يوم. كان فيق ولائق وصادق ثلاثة من أقربائي، وقد تجاوز كلٌّ منهم العشرين من عمره. أخذوا ذات ليلة واتهموا بأنهم من المتضامنين مع حزب الدعوة الإسلامي المحظـور. لم يكـن هنــاك حديـث عن محاكمة لهم أو لغيرهم من الآلاف المؤلفة من العراقيين الذين كانوا يوارون بعد إعدامهم في المقابر الجماعية.

الحفاظ علي السلطة
كان وزير الإعلام والثقافة، الكمالي، واحدا من قليلين للغية علي قمة الجهاز الحاكم ممن كانوا يحاولون الحد من أعمال التطهير هذه. كان واحدا من مؤسسي حزب البعث، وكان عضوا في القيادة القطرية. في أحد اجتماعات المجلس تساءل الكمالي عما إذا كان من الصواب قانونيا أن تظل المخابرات مصرة علي ما تقترفه من أعمال اعتقال وتعذيب للأبرياء من آباء وإخوة المتهمين من المعارضة التي لم تتمكن من إلقاء القبض عليهم. ثم قال: «إن هذا من شأنه أن يضر بسمعة الحزب والحكومة». كان صدام ينظر إليه ولم يقل شيئا، وبعد انتهاء الاجتماع أخذ صدامٌ الكماليَّ جانبا.

«اسمع يها الرفيق. إذا كنا نرغب حاليا ومستقبلا في الاحتفاظ بالسلطة في العراق، فيجب أن نحكّم العقل وليس العاطفة».

ولم يمر وقت طويل حتي جاء وزير جديد للإعلام والثقافة في العراق. أما الكمالي فقد ألقي به في السجن، وكان يعاني هزالاً شديداً بعد إطلاق سراحه بعد بضعة أشهر. وقبل وفاته بفترة وجيزة حكي لي الكمالي عما كان يدور في القيادة القطرية.

كانوا يتعقبون أناسا من جميع الطبقات ويقتلونهم دون تمييز، ذلك ما حدث للدكتور رياض إبراهيم يضا. كان في ريي أفضل وأذكي وزير صحة في العراق علي الإطلاق. كان واحدا من الأعضاء الأوائل في حزب البعث، وقد ألقي القبض عليه في عام 1958 بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس عبد الكريم قاسم في بغداد، حيث كان قد ساعد في إخفاء الأسلحة التي استخدمها صدام حسين والمتآمرون معه في محاولة الاغتيال. لكنه خرج من ذلك الأمر بعقوبة السجن فقط.

ولأن شأنه شأن كثيرين من الذين انضموا إلي حزب البعث، كان رياض رجلا مخلصا مستقيما. كان يؤمن بالأفكار الأساسية للحركة من تعاون بين الدول العربية وتقسيم عادل للأموال والثروات المعدنية. عرفته رجلا يهتم اهتماما حقيقيا بمصلحة الشعب العراقي، وقد منحه لقب الدكتوراه في الطب ـ الذي حصل عليه من إنكلترا ـ المقوماتُ التخصصية الضرورية التي بسببها تقلد منصب وزير الصحة.

الانتقاد ثمنه القتل

لكنه كان يحيا حياة خطرة. كان يسخر من غباء وعجز زملائه الوزراء، كما كان ينتقد هؤلاء الذين كانوا من الموافقين دائما في مجلس الشعب، ويتحدث عن الطرق الغريبة التي وصلوا بها إلي مناصبهم.

وفي يوم من يام صيف عام 1982 طُلب مني أن أذهب إلي وزير الصحة رياض إبراهيم في الوزارة. لم أكن أعرف سبب استدعائي، لكني عندما دخلت عليه في مكتبه، قال لي إن اثنين من رجاله سوف يصطحباني عما قريب إلي رجل له مكانة مهمة جدا.

لم يصرح لي إبراهيم مَن يكون الرجل أو ما هو سبب المقابلة.

«لا تتردد في أن تقول ريك عندما تقابله، فأنت غير مقيد بشيء»، ذلك ما أكده لي وزير الصحة.

أخذتني سيارة مرسيدس سوداء بزجاج غامق إلي بيت صغير واطئ في حي الجادرية. كان هناك من ينتظر قدومي. قُدم لي الشاي، وعلمت أن رئيس القسم المختص بسوريا في المخابرات هو الذي يرغب في إجراء هذا الاستجواب معي.

عملية اغتيال في دمشق

دخل علي الفور في الموضوع.

«هناك سوري يقيم الآن في بغداد ونود أن نعيده إلي دمشق لينفذ عملية اغتيال هناك. لكن السلطات السورية تعرفه جيدا. لذلك نرجوك أن تغير ملامح وجهه تماما».

شكرته علي ثقته الكبيرة في مهاراتي الجراحية، ولكني رفضت معتذرا.

«ليس بمقدوري أن أنفذ هذه الرغبة، لأنها ضد مبادئي الشخصية وضد تصوراتي عن أخلاق المهنة».

أجاب: «حسنا. فلتنس هذا اللقاء ولا تنبس بكلمة عنه لمخلوق أبدا».

في صباح اليوم التالي توجهت إلي رياض إبراهيم وحكيت له عن هذا المطلب.

«هل كنت تعلم بما سيطلبونه مني»؟

«نعم»، أجاب رياض مضيفا: «وقد أوضحت لهم أنك لن تقوم بشيء من هذا القبيل أبدا. لذلك فقد قلت لك بالأمس علي سبيل الاحتياط أنك حر في التصرف كما يحلو لك».

كان في مقدورنا أن نتحدث بصراحة عن كل هذه المواضيع في مكتب رياض إبراهيم. أما عند بقية الوزراء فقد كان المعتاد تجنب الخوض في أحاديث تمس الدولة وأمنها.

تزوير شهادة

لا أعرف مَن مِن ذوي النفوذ العالي لم يعد يرغب في نهية المطاف في بقاء رياض إبراهيم. فقبل أن يعزل عن منصبه في عام 1982، كان قد روي لي أن هيئة أركان الرئيس ترغب في إرسال طبيب بيطري إلي الخارج ليتخصص في الأساليب الوقائية في حالات التسمم. كان الطبيب البيطري قد حصل علي منحة في معهد طبي في الوليات المتحدة الأميركية، وما ينقصه الآن هو فقط أوراق من وزارة الصحة تشهد بأنه طبيب بشري وليس طبيبا بيطريا.

ورفض الدكتور إبراهيم ذلك.

«ستفقد وزارة الصحة للأبد مصداقيتها إذا وافقنا علي شيء من هذا القبيل»، ذلك ما قاله الوزير وهو في ثورة عارمة عندما اتصل به أحد العاملين في القصر الجمهوري، وسأله لماذا يستغرق الأمر وقتا طويلا حتي يجعلوا من الطبيب البيطري طبيبا بشريا؟!

وسبق السيف العذل بسرعة فاقت تصورات رياض!

وجهت له فجأة تهمة تحمل المسؤولية عن سلسلة من حالات الوفاة حُقن فيها المرضي في الوريد بكميات من كلوريد الكالسيوم عالية التركيز. وعُزل إبراهيم عن منصبه، وشكلت لجنة للتحقيق. وبعد ذلك بعدة أسابيع قُبض عليه وألقي به في السجن.

بلا حراك!

وقد زرته في داره قبل اعتقاله. كان مندهشا من حرسه الشخصي الذين كانوا لا يزالون يحرسون منزله، فقد كانوا عادة ما يسرعون إليه ليفتحوا له باب الجراج عندما كان يريد الخروج بسيارته الرسمية قبل عزله. وها هم الآن ساكنون في أكشاك حراستهم بلا حراك مثل الأصنام.

ثم قال لي: «لقد كنت أحضر إليهم الطعام بنفسي كل ليلة».

أجبته إنه ليس من المفروض أن يدهشه شيء هكذا، «فهؤلاء الناس علي هذه الشاكلة».

ضحك رياض إبراهيم. وبعدها بعدة أسابيع اتهم بقضية الدواء وسجن.

وقد برأت لجنة التحقيق الوزير من كل التهم المنسوبة إليه، فقد اتضح أن صلاحية كلوريد الكالسيوم المصنوع في شركة أدوية فرنسية لم تكن قد انتهت، لكن نسبة تركيز كلوريد الكالسيوم في المحلول كانت أعلي من النسبة المعتادة، ولم يعرف العاملون في المستشفي أن المحلول كان يجب أن يخفف قبل أن يأخذه المريض كما تنص علي ذلك نشرة التعليمات.

لكن نتيجة التحقيق لم تجدِ شيئا. فقد قُتل إبراهيم بعد ستة أسابيع من بقائه في السجن. كنت قد زرت زوجته قبل أن يقتله النظام بيومين للاستفسار عنه، فقالت إنها استلمت رسالة كتبها زوجها علي قصاصة من الورق واستطاع أن يهربها من السجن. كان مكتوبا فيها أنه سعيد لأنه سيري زوجته وأولاده مرة أخري بعد أن ثبت أن الاتهامات الموجهة إليه لا أساس لها من الصحة. وأضاف أن الرئيس سيطلق سراحه في اليوم التالي فور أن يتسلم تقرير اللجنة ويقرأه.

نزع العينين

تولي أخوه أمر الجنازة مع الدكتور غازي الهبش، وهو من أنبل الأطباء الذين عرفتهم، والذي أخبرني بأن فك الدكتور رياض إبراهيم كان مهشما، وأن جسمه كانت تغطيه البقع الزرقاء. كما روي لي أن النيران قد أطلقت عليه من مكان قريب جدا، فأصابته رصاصة في رأسه، وفي منطقة الحوض وفي فخذه. كما انُتزعت عيناه.

كان مستشفي ابن الهيثم في بغداد يتلقي دائما مددا طازجا من ضحيا الإعدامات، وقد أنقذ قسم العيون في المستشفي كثيرا من المرضي المصابين في قرنياتهم من أن يفقدوا نور أعينهم عن طريق استبدالها بقرنية تم التبرع بها!

في بغداد كانت هناك كثير من الاشاعات حول من قام بقتل رياض إبراهيم. كانت أكثر الاشاعات خيالية تلك التي تقول ان صدام هو الذي أطلق عليه النيران بنفسه بعد أن طلب منه في أحد الاجتماعات الحكومية أن يذهب معه إلي الدهليز للحظة. لكن من المستبعد أن يكون رياض إبراهيم قد اشترك في اجتماع كهذا، لأنه كان قد عزل عن منصبه كوزير للصحة قبل مقتله بعدة أسابيع.

كانت هناك اشاعة أخري تقول ان برزان التكريتي، وهو الأخ غير الشقيق لصدام، هو الذي قتل رياض إبراهيم. كان برزان يتقلد آنذاك منصب رئيس المخابرات عندما قتل رياض.

في عام 1985 أتي إليّ برزان في مستشفي الواسطي لأجري له عملية بسيطة، وبعد ذلك تحدثنا سويا لبعض الوقت. أشرت إلي الأجهزة الحديثة في غرفة العمليات. قلت إن الفضل في حصولي علي هذه الأجهزة يرجع إلي الدكتور إبراهيم.

أجاب برزان: «كان إعدامه خطأ فادحا وجريمة وخسارة كبيرة للحزب والعراق». لكن أخا صدام غير الشقيق لم يكن يرغب في الحديث أكثر من ذلك عن هذه القضية. وظل الأمر كذلك في جميع أحاديثنا الطويلة التي جمعتنا بعد ذلك.

لم يكن الدكتور إبراهيم الشخص الوحيد من بين زملائي الذي دفع حياته ثمنا لصراحته. فقد صُفي كلٌّ من زميليَّ الماهرين الدكتور هشام السلمان، والدكتور إسماعيل التاتار، حيث لم يكن لدي كل منهما القدرة علي الإمساك بلسانه.

كان التاتار طبيب أمراض جلدية، وكان واحدا من الفريق الطبي الخاص بالرئيس. أما السلمان فقد كان واحدا من أفضل أطباء الأطفال في العراق.

نكات بريئة

وفي أحد الاحتفالات التي كان يعمها جو من الفرح والمرح، ألقي الطبيبان بعض النكات البريئة التي لا تخلو مع ذلك من يحاءات خادشة للحياء العام عن صدام حسين، وكانت عن تطبيق قواعد جديدة أكثر صرامة لمكافحة اليدز. كان كل منهما معروفا بحبه للدعابة دون تحفظ، لكنهما لم يعرفا أن واحدا من المشاركين في الاحتفال كان ممن يتعاونون بشكل واضح مع رجال الأمن، حيث سلط كاميرا الفيديو الخاصة به عليهما خلسة.

أحضر التسـجيل إلي الرئيـس الـذي أمر علي الفور بإعدام كلا الطبيبين لأنهما شهرا به.

لا للتدوين

اعتدت علي تدوين كثير من الأحاديث التي كنت أجريها مع الضحيا من الشباب الذين كانوا يأتوننا من الجبهة. لكنني أدركت مع مرور الوقت أنني ألعب بالنار، فقمت بإحراق جميع المذكرات قبيل نهية الحرب حتي لا أدخل في مغامرة لا داعي لها، فسقوط هذه الرويات في يدي المخابرات ومخبري الشرطة السرية الذين لا حصر لهم كان سيعني الموت المحقق.

فقط عندما كانت الوفود الرسمية بصحبة مرافقيها من الصحافيين تأتي إلي مستشفي الواسطي لمنح المرضي جوائز لشجاعتهم، كان المرضي يمتلئون بالعزيمة القتالية، والرغبة العارمة في العودة إلي الجبهة ليقاتلوا اليرانيين من جديد. وفيما عدا ذلك كانت الروح المعنوية للمرضي منخفضة للغية.

وعندما كان الجنود والضباط ينفردون بي، كانوا يتحدثون بصراحة وباطمئنان، فقد كانت أهوال المعارك بعيدة كل البعد عن المستشفي، وكانوا علي ثقة بأن أحاديثنا ستخضع لواجب الصمت تجاه أسرار المرضي.

كانت أغلبيتهم الساحقة ضد الحرب، فلم يكن في مقدورهم تفهم السبب في أنهم يقاتلون مسلمين مثلهم.
khalid
khalid
عضو مبدع
عضو مبدع

عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى احترام قوانين المنتدى : كنت  طبيبا  لصدام     الجزء الثالث 11101010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى