كنت طبيبا لصدام الجزء الثامن عشر
صفحة 1 من اصل 1
كنت طبيبا لصدام الجزء الثامن عشر
ازدراء عدي:
فعل عدي ما أُمر به. قبل وطبان الاعتذار ومنحه عفوه الرسمي، لكنه رفض أن يطلق النار من المسدس على النصف السفلي من ساق عدي، ولو فعل لكان الأمر قد سُوي على الطريقة البدوية.
كان الإخوة الثلاثة يزدرون ابن أخيهم قبلها بالفعل، وبطبيعة الحال زاد الأمر بعد هذه الواقعة سوءا. غير أن الإخوة الثلاثة لم يكونوا على علاقة جيدة تماما بعضهم مع بعض. كان الواحد منهم يغتاب الآخر، ويحاول أحدهم وضع العراقيل في طريق الآخرين، ما أمكن له ذلك. ازداد الأمر سوءا على سوء حينما قرر سبعاوي تأييد قرار صدام بعدم معاقبة عدي. كان أكبر الإخوة الثلاثة آنذاك رئيسا للأمن العام ولم يرغب، كمـا كان واضحا، أن تطول فترة تحديه للرئيس خوفا من أن ينزع الأخير عنه منصبه المهم.
دارت مناقشات مستفيضة عن أكثر شخص مناسب لعلاج وطبان. كان لا بد من إجراء عمليات جراحية في العظام والأعصاب. أوضح صدام بشكل لا لبس فيه أن المال لا يلعب دورا. بدون النظر للتكاليف كان لا بد لأخيه غير الشقيق أن يحصل على أفضل مساعدة طبية يمكن الحصول عليها. طرأت على رأس صدام أن يستعين بمساعدة الجراح الكوبي العالمي الفاريس كامبريس كان الاثنان تربطهما علاقة صداقة جيدة، كما هي الحال أيضا مع فيدل كاسترو الذي كان يرسل لصدام بانتظام السيجار الهافاني.
فريق فرنسي:
في نهاية المطاف استقر الاختيار على فرنسا. أتى فريق من الأطباء من باريس إلى مستشفى ابن سينا في بغداد، وأجروا ما يلزم من العمليات الجراحية الكثيرة المعقدة لكي يقف وطبان على قدميه.
كانت رغبة صدام أن يتلقى أخوه غير الشقيق ما يلزم من المساعدة في العراق. لم يكن يرسل أفراد العائلة للعلاج الطبي بالخارج إلا مكرها. ولذلك شعرت بالخوف وخشيت أن تُجر قدمي في واحدة من تلك المؤامرات المحيطة بالرئيس التي لا حصر لها عندما انتحى بي سبعاوي جانبا ذات يوم من أيام الخريف بعد زيارة لأخيه في المستشفى ليحدثني بيني وبينه فقط في أمر مهم.
وضع ذراعه حول كتفي.
«يا دكتور علاء، هل تحدث أخي برزان معك في إمكان إرسال وطبان إلى سويسرا لمواصلة علاجه الطبي هناك»؟
كان برزان في ذلك الوقت لا يزال سفير العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف.
«لا، مطلقا، فهو لم يتصل بي، ولم يقترح مثل ذلك الأمر».
إلصاق تهمة:
لم يزد سبعاوي عما قاله، لكنني كنت مستعدا لأسوأ الاحتمالات فيما يخص مدير الأمن العام. في قطيع الذئاب المحيط بالرئيس كانت شعبيتي تتناقص يوما بعد يوم. كان يثير لديهم الريبة والحسد أن يكون شخص ما قريبا للغاية من الرئيس. إن تحويل وطبان إلى مستشفى في سويسرا كان سيشعل غضب الرئيس. بدا لي الأمر أن سبعاوي يريد أن يتهمني ويتهم أخاه في جنيف بأننا نحن أصحاب هذا الاقتراح.
بهذه الطريقة كان الرجال الذين هم على شاكلته يتخلصون من الناس الذين كانوا لا يحبونهم.
بعدها بعدة أيام أتى صدام إلى مستشفى ابن سينا ليزور وطبان وليودع الجراحين الفرنسيين الذين أجروا مزيدا من العمليات الجراحية في النصف السفلي من ساق وطبان. بعدها سيسافرون قاطعين الصحراء ليستقلوا الطائرة من عمان إلى باريس. كان سبعاوي برفقة صدام.
قال الرئيس: «لا بد أن أشكركم على مجهوداتكم الرائعة، وعلى ما برهنتم عليه من شجاعة بقدومكم إلى هنا، على الرغم من الدعاية المستمرة للولايات المتحدة ضد العراق». كان واضحا لي ماذا كان يدور هناك بجانب سرير الرجل المريض. دعوه في حاله، هذه كانت رسالة صدام إلى أخويه غير الشقيقين. في صباح اليوم التالي أُعفي سبعاوي من منصبه كمدير للأمن العام.
إحراق ألف سيارة:
أخذ حجم هواية عدي في اقتناء الأشياء يتضخم تضخما مذهلا في خريف هذا العام الممتلئ بالأحداث. بينما كان معظم العراقيين يزدادون فقرا على فقر، ومرضا على مرض، وبؤسا على بؤس، كان ابن الرئيس يستورد السيارة الفارهة وراء الأخرى ليضمها إلى مجموعته. في أثناء ذلك كان عدي يمتلك في خريف عام 1995 العاصف ما يقرب من ألف سيارة.
كان هناك نحو مائة من أغلى وأجمل السيارات مركونة في كراج يقع على الأراضي التابعة للقصر الجمهوري والقائمة عليها حراسة مشددة: رولز رويس، وبينتلي، وليكزس، وأودي، وعديد من سيارات الـ بي. إم. دبليو.، والمرسيدس، وبورش، وفيراري ولامبورغيني. في الكراج، كانت هناك، علاوة على ذلك، مجموعة رائعة من السيارات القديمة كانت أحب ما يملك ابن الرئيس إلى قلبه.
في ضحى يوم من الأيام تصاعدت ألسنة اللهب السوداء من القصر الجمهوري. كان الكراج يحترق، ولم يقم أحد بمحاولة إطفاء الحريق.
كالمعتاد زار صدام أخاه غير الشقيق في مستشفى ابن سينا، لكنه ثار ثورة عارمة حينما رأى أن قدرة أخيه غير الشقيق على المشي مرة أخرى أمر معقد جدا وسيستغرق وقتا طويلا. في ثورة غيظه توجه إلى كراج عدي، وأمر حرسه الخاص بإحضار صفيحة من البنزين، وأعواد الكبريت.
في هدوء أخذ الرئيس يدخن سيجارا ضخما من الهافانا، وهو يستمتع بانتقامه من ابنه، وبالسيارات التي أخذت تلتهمها النيران.
عدي يبكي سياراته:
غادر صدام المستشفى حيث شقيقه وطبان المصاب عندما أسرع عدي وظافر محمد جابر ليعاينا حطام السيارات المحترقة عن آخرها في هذا الكراج الفخم. كان قصي هو الآخر قد أُخبر بالعملية الانتقامية لوالده وكان موجوداً قبلها في المكان.
«لماذا لم تَحُل بينه وبين ذلك»؟، صاح به عدي، وهو على وشك البكاء وقد خرج تماما عن شعوره. «هل نسيت أنني أنقذتك من السجن»؟
كان عدي دائما ما يذكر إقامة أخيه الأصغر في السجن عندما كان لسبب أو لآخر غير راض عنه.
في عام 1984 اعتدى قصي ـ وقد لعبت الخمر برأسه قليلا ـ على دبلوماسي سعودي في فندق المنصور في بغداد بالضرب. ليس من الواضح علامَ دار الشجار، غير أن الدبلوماسي تقدم بشكوى لوزارة الخارجية العراقية. علم صدام بالأمر وأمر بوضع ابنه الأصغر في السجن. حُبس قصي في زنزانة في السجن نفسه الذي أقام فيه عدي وجابر بعد الاعتداء على الخادم الخاص للرئيس كامل حنا وقتله. غير أن مقام الابن الأصغر للرئيس كان قصيرا للغاية، فبعد عدة أيام لا غير هب عدي لنجدة أخيه. ظهر عدي مع بعض الأصدقاء في مكتب مدير السجن وطالب بالإفراج عن أخيه. عندما رفض المدير أطلق عدي النار على ساق المدير من بندقية كلاشينكوف وأرغمه على الإفراج عن قصي.
في أعقاب ذلك اختفى الاثنان عند بعض أقارب صدام إلى أن هدأ صدام. وبعدها لم يعد أحد يذكر تلك الواقعة.
«كان عليك التدخل ومنع والدنا من فعل ذلك»!، واصل عدي اتهاماته لأخيه.
«أتيت متأخرا للغاية، كانت النار قد اشتعلت في الكراج بالفعل»، أجابه قصي مضيفا: «ولكن لحسن الحظ استطعت أن أمنعه من الزحف على سياراتك الأخرى». كان الكثير منها موجودا على بعد مرمى حجر من القصر الجمهوري في أحد المخازن. بأسرع ما يستطيع هرول عدي إلى هناك. تحصن خلف أجولة الرمل أمام المدخل وأحضر مدفع رشاش ثقيلا.
غير أن صدام لم يواصل حملته العقابية الخاصة بعض الشيء لابنه. «لو كان ظهر هناك، لكان عدي قد قتله على الفور»، كان هذا هو تقدير جابر للحالة النفسية لصديقه.
.. وصاح حسين كامل: صدام شرير إنه عميل أميركي
* علي الكيماوي وضع حذاءه علي وجه حسين كامل وأفرغ الرصاص في رأسه
شرف العائلة:
كان الخريف والشتاء في عمان صعبين علي زوجي ابنتي صدام. في البداية كان لا يزال الأمر مشوقا. استقبلت مخابرات الدول الغربية وعلي رأسها وكالة المخابرات الأميركية بنهم ما كان عندهما من حكايات، وهو ما انطبق أيضا علي رولف إيكيوس، رئيس فريق التفتيش علي الأسلحة التابع للأمم المتحدة.
ولكن بعد أن روي لهم حسين كامل كل ما يعرفه عن برنامج التسليح العراقي، وبعد فشل أخيه صدام في تقديم معلومات علي درجة خاصة من الأهمية عن حياة النظام العراقي، بدأت الحياة اليومية الكئيبة في العاصمة الأردنية عمان تزحف سريعا عليهما وعلي عائلتيهما. لم يعد هناك من يهتم بهما، كما أن العراقيين في المنفي بمجموعاتهم المعارضة لم يريدوا أن تربطهم علاقة بهما لأن زوجي ابنتي صدام كانا مسؤولين بصفة شخصية عن جزء من القمع وبعض جرائم الحرب.
كان الانتقال من الحياة المترفة في مركز السلطة في بغداد إلي كيان كان يزداد ضآلة يوما بعد يوم في المنفي في عمان أشد مما كانا يتوقعانه، ارتفعت أصوات الاشاعات أن حسين كامل كان مشتاقا إلي البيت لأنه ليس في أحسن أحواله الصحية، كان عنده مشاكل نفسية عميقة.
ألمح الوزراء الذين تحدثت معهم ان مبعوث عائلة الخريبط القوية ذات النفوذ في مدينة الرمادي، توجه كوسيط للرئيس في زيارة لعمان، وعرض علي زوجي الابنتين حرية الحركة إذا أرادا ذلك.
كما أخبرهما بأن صدام يعدهما بألا يعاقبهما.
عودة الشقيقين:
علي بعد ثلاثمائة كيلومتر من عمان وخمسمائة كيلومتر من العراق تمتد الحدود بين العراق والأردن في الصحراء العربية الجافة القاحلة. النقطة الحدودية علي الناحية العراقية اسمها «طريبيل». يقال إن هذا الاسم اشتق من كلمة trouble الانكليزية التي تعني المشاكل. لقي الآلاف من الجنود الإنكليز مصرعهم هنا في نهاية الحرب العالمية الأولي في حربهم ضد الأتراك عندما تحللت بقايا الدولة العثمانية.
هشام الغريري كان رئيس النقطة الحدودية عندما وصل حسين، وصدام وحاكم كامل مع زوجاتهم وأطفالهم في العشرين من فبراير من عام 1996 إلي طريبيل، لا أعرف ما السبب وراء عودتهم إلي العراق، لكنه تكون لدي الانطباع أن حسين كامل في المقام الأول لم يعد يتحمل الإقامة في عمان، وأنه بوصفه الأخ الأكبر قد أقنع الباقين بمصاحبته في طريق عودته إلي بغداد.
طبقا لأقوال الغريري فإن حالة حسين كامل كانت سيئة عندما وصل إلي طريبيل.
«كان كمن يسير وهو نائم. لم يكن حليق الذقن وكان يرتدي بيجاما عبارة عن قميص أبيض اللون وبنطلون أسود».
كان معه مسدس، أخذه منه الغريري طبقا لتعليمات الرئيس.
وكان صدام كامل مازال يرتدي البيجاما عندما دخل الحدود العراقية.
فعل عدي ما أُمر به. قبل وطبان الاعتذار ومنحه عفوه الرسمي، لكنه رفض أن يطلق النار من المسدس على النصف السفلي من ساق عدي، ولو فعل لكان الأمر قد سُوي على الطريقة البدوية.
كان الإخوة الثلاثة يزدرون ابن أخيهم قبلها بالفعل، وبطبيعة الحال زاد الأمر بعد هذه الواقعة سوءا. غير أن الإخوة الثلاثة لم يكونوا على علاقة جيدة تماما بعضهم مع بعض. كان الواحد منهم يغتاب الآخر، ويحاول أحدهم وضع العراقيل في طريق الآخرين، ما أمكن له ذلك. ازداد الأمر سوءا على سوء حينما قرر سبعاوي تأييد قرار صدام بعدم معاقبة عدي. كان أكبر الإخوة الثلاثة آنذاك رئيسا للأمن العام ولم يرغب، كمـا كان واضحا، أن تطول فترة تحديه للرئيس خوفا من أن ينزع الأخير عنه منصبه المهم.
دارت مناقشات مستفيضة عن أكثر شخص مناسب لعلاج وطبان. كان لا بد من إجراء عمليات جراحية في العظام والأعصاب. أوضح صدام بشكل لا لبس فيه أن المال لا يلعب دورا. بدون النظر للتكاليف كان لا بد لأخيه غير الشقيق أن يحصل على أفضل مساعدة طبية يمكن الحصول عليها. طرأت على رأس صدام أن يستعين بمساعدة الجراح الكوبي العالمي الفاريس كامبريس كان الاثنان تربطهما علاقة صداقة جيدة، كما هي الحال أيضا مع فيدل كاسترو الذي كان يرسل لصدام بانتظام السيجار الهافاني.
فريق فرنسي:
في نهاية المطاف استقر الاختيار على فرنسا. أتى فريق من الأطباء من باريس إلى مستشفى ابن سينا في بغداد، وأجروا ما يلزم من العمليات الجراحية الكثيرة المعقدة لكي يقف وطبان على قدميه.
كانت رغبة صدام أن يتلقى أخوه غير الشقيق ما يلزم من المساعدة في العراق. لم يكن يرسل أفراد العائلة للعلاج الطبي بالخارج إلا مكرها. ولذلك شعرت بالخوف وخشيت أن تُجر قدمي في واحدة من تلك المؤامرات المحيطة بالرئيس التي لا حصر لها عندما انتحى بي سبعاوي جانبا ذات يوم من أيام الخريف بعد زيارة لأخيه في المستشفى ليحدثني بيني وبينه فقط في أمر مهم.
وضع ذراعه حول كتفي.
«يا دكتور علاء، هل تحدث أخي برزان معك في إمكان إرسال وطبان إلى سويسرا لمواصلة علاجه الطبي هناك»؟
كان برزان في ذلك الوقت لا يزال سفير العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف.
«لا، مطلقا، فهو لم يتصل بي، ولم يقترح مثل ذلك الأمر».
إلصاق تهمة:
لم يزد سبعاوي عما قاله، لكنني كنت مستعدا لأسوأ الاحتمالات فيما يخص مدير الأمن العام. في قطيع الذئاب المحيط بالرئيس كانت شعبيتي تتناقص يوما بعد يوم. كان يثير لديهم الريبة والحسد أن يكون شخص ما قريبا للغاية من الرئيس. إن تحويل وطبان إلى مستشفى في سويسرا كان سيشعل غضب الرئيس. بدا لي الأمر أن سبعاوي يريد أن يتهمني ويتهم أخاه في جنيف بأننا نحن أصحاب هذا الاقتراح.
بهذه الطريقة كان الرجال الذين هم على شاكلته يتخلصون من الناس الذين كانوا لا يحبونهم.
بعدها بعدة أيام أتى صدام إلى مستشفى ابن سينا ليزور وطبان وليودع الجراحين الفرنسيين الذين أجروا مزيدا من العمليات الجراحية في النصف السفلي من ساق وطبان. بعدها سيسافرون قاطعين الصحراء ليستقلوا الطائرة من عمان إلى باريس. كان سبعاوي برفقة صدام.
قال الرئيس: «لا بد أن أشكركم على مجهوداتكم الرائعة، وعلى ما برهنتم عليه من شجاعة بقدومكم إلى هنا، على الرغم من الدعاية المستمرة للولايات المتحدة ضد العراق». كان واضحا لي ماذا كان يدور هناك بجانب سرير الرجل المريض. دعوه في حاله، هذه كانت رسالة صدام إلى أخويه غير الشقيقين. في صباح اليوم التالي أُعفي سبعاوي من منصبه كمدير للأمن العام.
إحراق ألف سيارة:
أخذ حجم هواية عدي في اقتناء الأشياء يتضخم تضخما مذهلا في خريف هذا العام الممتلئ بالأحداث. بينما كان معظم العراقيين يزدادون فقرا على فقر، ومرضا على مرض، وبؤسا على بؤس، كان ابن الرئيس يستورد السيارة الفارهة وراء الأخرى ليضمها إلى مجموعته. في أثناء ذلك كان عدي يمتلك في خريف عام 1995 العاصف ما يقرب من ألف سيارة.
كان هناك نحو مائة من أغلى وأجمل السيارات مركونة في كراج يقع على الأراضي التابعة للقصر الجمهوري والقائمة عليها حراسة مشددة: رولز رويس، وبينتلي، وليكزس، وأودي، وعديد من سيارات الـ بي. إم. دبليو.، والمرسيدس، وبورش، وفيراري ولامبورغيني. في الكراج، كانت هناك، علاوة على ذلك، مجموعة رائعة من السيارات القديمة كانت أحب ما يملك ابن الرئيس إلى قلبه.
في ضحى يوم من الأيام تصاعدت ألسنة اللهب السوداء من القصر الجمهوري. كان الكراج يحترق، ولم يقم أحد بمحاولة إطفاء الحريق.
كالمعتاد زار صدام أخاه غير الشقيق في مستشفى ابن سينا، لكنه ثار ثورة عارمة حينما رأى أن قدرة أخيه غير الشقيق على المشي مرة أخرى أمر معقد جدا وسيستغرق وقتا طويلا. في ثورة غيظه توجه إلى كراج عدي، وأمر حرسه الخاص بإحضار صفيحة من البنزين، وأعواد الكبريت.
في هدوء أخذ الرئيس يدخن سيجارا ضخما من الهافانا، وهو يستمتع بانتقامه من ابنه، وبالسيارات التي أخذت تلتهمها النيران.
عدي يبكي سياراته:
غادر صدام المستشفى حيث شقيقه وطبان المصاب عندما أسرع عدي وظافر محمد جابر ليعاينا حطام السيارات المحترقة عن آخرها في هذا الكراج الفخم. كان قصي هو الآخر قد أُخبر بالعملية الانتقامية لوالده وكان موجوداً قبلها في المكان.
«لماذا لم تَحُل بينه وبين ذلك»؟، صاح به عدي، وهو على وشك البكاء وقد خرج تماما عن شعوره. «هل نسيت أنني أنقذتك من السجن»؟
كان عدي دائما ما يذكر إقامة أخيه الأصغر في السجن عندما كان لسبب أو لآخر غير راض عنه.
في عام 1984 اعتدى قصي ـ وقد لعبت الخمر برأسه قليلا ـ على دبلوماسي سعودي في فندق المنصور في بغداد بالضرب. ليس من الواضح علامَ دار الشجار، غير أن الدبلوماسي تقدم بشكوى لوزارة الخارجية العراقية. علم صدام بالأمر وأمر بوضع ابنه الأصغر في السجن. حُبس قصي في زنزانة في السجن نفسه الذي أقام فيه عدي وجابر بعد الاعتداء على الخادم الخاص للرئيس كامل حنا وقتله. غير أن مقام الابن الأصغر للرئيس كان قصيرا للغاية، فبعد عدة أيام لا غير هب عدي لنجدة أخيه. ظهر عدي مع بعض الأصدقاء في مكتب مدير السجن وطالب بالإفراج عن أخيه. عندما رفض المدير أطلق عدي النار على ساق المدير من بندقية كلاشينكوف وأرغمه على الإفراج عن قصي.
في أعقاب ذلك اختفى الاثنان عند بعض أقارب صدام إلى أن هدأ صدام. وبعدها لم يعد أحد يذكر تلك الواقعة.
«كان عليك التدخل ومنع والدنا من فعل ذلك»!، واصل عدي اتهاماته لأخيه.
«أتيت متأخرا للغاية، كانت النار قد اشتعلت في الكراج بالفعل»، أجابه قصي مضيفا: «ولكن لحسن الحظ استطعت أن أمنعه من الزحف على سياراتك الأخرى». كان الكثير منها موجودا على بعد مرمى حجر من القصر الجمهوري في أحد المخازن. بأسرع ما يستطيع هرول عدي إلى هناك. تحصن خلف أجولة الرمل أمام المدخل وأحضر مدفع رشاش ثقيلا.
غير أن صدام لم يواصل حملته العقابية الخاصة بعض الشيء لابنه. «لو كان ظهر هناك، لكان عدي قد قتله على الفور»، كان هذا هو تقدير جابر للحالة النفسية لصديقه.
.. وصاح حسين كامل: صدام شرير إنه عميل أميركي
* علي الكيماوي وضع حذاءه علي وجه حسين كامل وأفرغ الرصاص في رأسه
شرف العائلة:
كان الخريف والشتاء في عمان صعبين علي زوجي ابنتي صدام. في البداية كان لا يزال الأمر مشوقا. استقبلت مخابرات الدول الغربية وعلي رأسها وكالة المخابرات الأميركية بنهم ما كان عندهما من حكايات، وهو ما انطبق أيضا علي رولف إيكيوس، رئيس فريق التفتيش علي الأسلحة التابع للأمم المتحدة.
ولكن بعد أن روي لهم حسين كامل كل ما يعرفه عن برنامج التسليح العراقي، وبعد فشل أخيه صدام في تقديم معلومات علي درجة خاصة من الأهمية عن حياة النظام العراقي، بدأت الحياة اليومية الكئيبة في العاصمة الأردنية عمان تزحف سريعا عليهما وعلي عائلتيهما. لم يعد هناك من يهتم بهما، كما أن العراقيين في المنفي بمجموعاتهم المعارضة لم يريدوا أن تربطهم علاقة بهما لأن زوجي ابنتي صدام كانا مسؤولين بصفة شخصية عن جزء من القمع وبعض جرائم الحرب.
كان الانتقال من الحياة المترفة في مركز السلطة في بغداد إلي كيان كان يزداد ضآلة يوما بعد يوم في المنفي في عمان أشد مما كانا يتوقعانه، ارتفعت أصوات الاشاعات أن حسين كامل كان مشتاقا إلي البيت لأنه ليس في أحسن أحواله الصحية، كان عنده مشاكل نفسية عميقة.
ألمح الوزراء الذين تحدثت معهم ان مبعوث عائلة الخريبط القوية ذات النفوذ في مدينة الرمادي، توجه كوسيط للرئيس في زيارة لعمان، وعرض علي زوجي الابنتين حرية الحركة إذا أرادا ذلك.
كما أخبرهما بأن صدام يعدهما بألا يعاقبهما.
عودة الشقيقين:
علي بعد ثلاثمائة كيلومتر من عمان وخمسمائة كيلومتر من العراق تمتد الحدود بين العراق والأردن في الصحراء العربية الجافة القاحلة. النقطة الحدودية علي الناحية العراقية اسمها «طريبيل». يقال إن هذا الاسم اشتق من كلمة trouble الانكليزية التي تعني المشاكل. لقي الآلاف من الجنود الإنكليز مصرعهم هنا في نهاية الحرب العالمية الأولي في حربهم ضد الأتراك عندما تحللت بقايا الدولة العثمانية.
هشام الغريري كان رئيس النقطة الحدودية عندما وصل حسين، وصدام وحاكم كامل مع زوجاتهم وأطفالهم في العشرين من فبراير من عام 1996 إلي طريبيل، لا أعرف ما السبب وراء عودتهم إلي العراق، لكنه تكون لدي الانطباع أن حسين كامل في المقام الأول لم يعد يتحمل الإقامة في عمان، وأنه بوصفه الأخ الأكبر قد أقنع الباقين بمصاحبته في طريق عودته إلي بغداد.
طبقا لأقوال الغريري فإن حالة حسين كامل كانت سيئة عندما وصل إلي طريبيل.
«كان كمن يسير وهو نائم. لم يكن حليق الذقن وكان يرتدي بيجاما عبارة عن قميص أبيض اللون وبنطلون أسود».
كان معه مسدس، أخذه منه الغريري طبقا لتعليمات الرئيس.
وكان صدام كامل مازال يرتدي البيجاما عندما دخل الحدود العراقية.
khalid- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى