كنت طبيبا لصدام الجزء الواحد والعشرون
صفحة 1 من اصل 1
كنت طبيبا لصدام الجزء الواحد والعشرون
المكان نفسه:
وبعد ذلك بأسبوع وبينما كنا نفحص عدي أثناء المرور الدوري إذا به يخرج الجميع عَداي من الحجرة. «قل لي يا دكتور علاء، لقد عالجت عمي وطبان أيضا وأجريت له عملية جراحية، أين كانت إصابته، الساق اليمني أم اليسري»؟
«اليسري».
«هلا قلت لي أين بالضبط»؟!
«نعم، في الموضع نفسه الذي تحطمت فيه ساقك بفعل الأعيرة النارية».
«يا إلهي... لقد عاقبني الله»!
ثم سكت برهة سألني بعدها عن المكان الذي يمكن أن يحصل فيه علي أفضل علاج، هل في بغداد أم في الخارج؟ وبينما كنت أناقشه في مزايا وعيوب كل من الإمكانيتين إذا بصدام يدخل علينا وبصحبته أخوه غير الشقيق وطبان، الذي كان يمشي بصعوبة شديدة بالرغم من أنه غادر مستشفي ابن سينا منذ أكثر من نصف سنة.
شماتة وطبان:
ومن سخرية القدر أن يرقد الآن ابن أخيه في المستشفي نفسه لإصابته في الساق اليسري أيضا وبطلق ناري حطم الساق كلية في الموضع نفسه الذي أصابه عدي فيه بطلق ناري يوم 8 أغسطس من العام الماضي وهم مجتمعون علي وليمة علي ضفة نهر دجلة، كان ذلك هو اليوم الصعب ذاته الذي هرب فيه أزواج بنات صدام بصحبة زوجاتهم وأبنائهم إلي الأردن. وبعد هذا الحادث آنذاك قدم عدي الاعتذارات لعمه وطلب منه الصفح. ولكن كان لدي شعور قوي بأن وطبان يبذل مجهودا كبيرا في إخفاء شماتته بابن أخيه عدي، علي الرغم من أن وجهه كان عابسا وهو يسأل ابن أخيه عن حاله. لقد كان يكره عدي حتي النخاع.
حاولت ساجدة وأختها توريطي في صفقة أجهزة رنين مغناطيسي لأن صدام يثق بي .
* طبيب أعشاب خدع صدام بدواء للسرطان.. فمات مرضاه
الدجالون:
نتيجة لعدم توافر الثقة بالأطباء تحول الطب في العراق إلي مجرد وهم ودجل.
وفي نهاية الثمانينات تلقيت يوما اتصالا هاتفيا من وزير الصحة آنذاك عبد السلام محمد سعيد الذي أبلغني بأن زوج ابنة صدام ووزيره للتصنيع الحربي والمدني حسين كامل المجيد يريد مقابلتي. حين قابلته كان معه قصاصة ورق من صحيفة وشريط فيديو قصير عن دواء ساحر لعلاج السرطان.
وقد قدم المخترع نفسه للرئيس الذي تحمس كل التحمس لاختراعه وقرر تقديم الدعم له، ولذلك فقد حضر إلي حسين كامل.
سحر.. طبي
ويعرض شريط الفيديو كيف يتم شفاء عدد من مرضي السرطان بما يشبه المعجزة بعدما يشربون بعض الأكواب من إكسير الأعشاب الذي أعده المخترع، الذي يقف في مطبخه يحرك الإكسير في قارورات كبيرة.
قال لي الوزير: «يجب أن أصارحك بأنني يساورني الشك في ذلك المُرَكب، ولكن المرضي يبدون في الشريط في حال أفضل بكثير بعدما شربوا من هذا المشروب العجيب الذي يقدمه لهم المخترع».
فأجبته بأنني أعتقد أنه يخلط مشروبه بكمية كبيرة من الكورتيزون، لأن مريض السرطان تتحسن حالته عقب تناوله هذه المادة ولكنها لا تعيق انتشار المرض. ولكي أكون أكثر وضوحا، إنني سأكون حذرا جدا قبل أن أثق بشخص يدعي أنه باحث في مرض السرطان وهو لا يملك مايكروسكوبا واحدا في معمله.
وبعد مضي شهرين افتضح أمر هذا المعالج النصاب الذي تحمس له صدام، فقد كان الجزء الأكبر من مشروبه السحري يتكون من الكورتيزون، ومات معظم مرضاه بعد تصوير الفيديو بفترة وجيزة، كما اتضح أن ذلك المخترع كان قد سُرِّح من الجيش لإصابته بمشكلات نفسية.
اختراع آخر
ولم يكن طبيب الأعشاب ذلك هو الوحيد الذي تمكن من خداع صدام، ففي الفترة نفسها التي كنت أعالج فيها صدام من مسامير الرجل ظهرت صيدلانية، وادعت اختراع مرهم لعلاج الغرغرينا وتريد تجريبه علي مرضانا.
كثير من مرضانا كانوا يعانون من الغرغرينا. ومرض السكر هو من أكثر الأمراض انتشارا في الشرق الأوسط، ومن أهم آثار هذا المرض حدوث تصلب في الأوعية وخصوصا في الساقين، وبسبب ضعف الدورة الدموية تحدث في هذه الأماكن بعض الحروق، حيث يكون الحل الوحيد هو البتر لتجنب انتشار موت الأنسجة الذي يهدد حياة المريض. ولم ترغب الصيدلانية أن تخبرنا بتركيبة المرهم الذي اخترعته، وكانت تدعي قدرتها علي منع انتشار الحالة وتحسين سريان الدورة الدموية بشكل هائل وبالتالي لن نضطر بعدها للبتر ويتم بذلك إنقاذ سيقان كثيرة.
وتردد الحديث وقتها عن أن هذا الكشف هو إعجاز عالمي يستحق جائزة نوبل.
قامت المخترعة بالكتابة لصدام وحكت له عن كشفها العلمي، ورد عليها الرئيس متلطفا: «حسب معلوماتي فإن الكثير من الأفكار الجديدة المتطورة لا تجد لها فرصة بسبب البيروقراطية، وأنا أعتقد أنهم سيحاولون وضع العراقيل في طريقك».
وحضرت إلي مستشفانا ومعها خطاب يؤكد لنا فيه عبد حمود رغبة الرئيس في أن نساعدها بأقصي جهدنا.
فأجبتها إلي طلبها قائلا: «لا مانع من أن تجربي مرهمك علي مرضانا بشرط أن توقعي تعهدا ينص علي تحملك وحدك المسؤولية كاملة عن حالاتهم، فنحن لا نعرف أي شيء عن المكونات الكيميائية لهذا المرهم أو الأعراض الجانبية لاستخدامه، ولكن إذا قبلت تحمل المسؤولية بشكل شخصي فلا مانع لدي».
فقالت لي إنها ستحضر في اليوم التالي ولكنها لم تفعل.
معاقبة طبيب القلب
ثم أتت بعد ذلك إلي رياض محمد صالح مدير عام مركز صدام لجراحة القلب. كان الدكتور صالح من أهم أخصائيي القلب في العراق وكان لفترة طويلة في الفريق الطبي الخاص بالرئيس. وفي يوم فقد وظيفته مما أثار عجبنا في البداية، حتي عرفنا السبب بعدها.
قام الدكتور صالح في إحدي المرات بفحص صدام واكتشف أن ضغط دمه كان مرتفعا جدا، ولذا فقد نصحه الطبيب بالإقلال من أكل الدهون والملح والإقلال من التدخين وقبل الفحص التالي قام أحد الحراس الشخصيين لصدام بإبلاغ الطبيب بأن صدام لم يقلل من التدخين بل علي العكس أصبح يدخن أكثر من ذي قبل، ولم يتبع نصيحة الطبيب.
وعندما قاس الطبيب ضغط دم صدام قال له: «يا سيادة الرئيس، يجب أن أذكرك أن التدخين يمثل ضررا كبيرا وخطرا علي ضغط الدم، لذا فيجب عليك الإقلاع عن التدخين».
واستشاط صدام غضبا وجنونا.
«أغلق فمك . لقد قلت لي ذلك من قبل. إنك تكرر نفسك. إذا كنت أدخن أم لا فهذا أمر يخصني أنا فقط، وأنت ليس لك أي لزوم هنا».
الصيدلانية علي الخط
وعلي الرغم من أن مدير المستشفي قد احتفظ بعد هذه الواقعة بوظيفته إلا أن بقاءه في هذه الوظيفة أصبح مهددا بعد ظهور تلك الصيدلانية.
فقد كان من بين ما طلبته أن تتولي هي علاج الفريق الركن هشام صباح الفخري وهو أحد القواد الذين جرحوا أثناء الحرب ضد إيران.
وكان اللواء مصابا بالغرغرينا في رجليه نتيجة للدرجة المتقدمة من مرض السكر التي كان يعاني منها. وحكي لي الدكتور صالح شاكيا: «لم أجرؤ علي الرفض فقد حضرت بصحبة أحد حراس صدام، لقد أخبرته بأن الأطباء الذين قابلتهم هنا لم يبدوا أي ترحاب أو تعاون، وهذا ما لم يقبله صدام».
وبعد يوم من استخدامها للمرهم السحري علي باطن ساق الفريق، قام الدكتور صالح بأخذ عينة من المرهم في السر ليفحص تركيبها البكتيري.
وأثبت التحليل المعملي أن المرهم يحتوي كمية كبيرة من البكتيريا بمختلف أنواعها. وعندما واجه الصيدلانية بهذه النتيجة ثارت وصرخت فيه: «كيف تجرؤ علي أخذ عينة من المرهم وتفحصها في المعمل دون علمي! ثم خرجت من الحجرة غاضبة».
وعلي الفور ذهبت إلي القصر الجمهوري لتشتكي للرئيس، الذي كان يسمع لها دائما. وكان ما حدث بالنسبة إليه دليلا قاطعا علي أنهم يضعون العراقيل في طريقها، وأن الأطباء يرفضون التعاون معها.
وبالفعل تلقي بعدها الدكتور صالح قرارا بعزله عن منصبه كمدير لمركز صدام لأمراض القلب. وبعد ذلك كلف مستشفي اليرموك بالتعاون مع المخترعة. ثم دعاها صدام إلي مكتبه بصحبة وزير الصحة وأربعة من المتخصصين في الأمراض التي تفضي إلي موت الخلايا وقال الرئيس إنه قد أعطي أوامره بتخصيص معمل وفريق عمل لمساعدة الطبيبة علي إتمام أبحاثها حول المرهم الجديد في مستشفي اليرموك. ولكن ساقي الفريق الفخري لم يمكن إنقاذهما وتم بترهما.
قدم الرئيس اليمني
وفي يوم العاشر من شهر فبراير تم اصطحابي من مستشفي ابن سينا إلي بيت صغير بالقرب من الجسر المعلق لكي أفحص قدم الرئيس اليمني في تمام الساعة الخامسة مساء، ولكني اضطررت لانتظاره فترة، لذلك فقد اعتذر لي صدام عند قدومه علي تأخره عليَّ.
الحظر الجوي
كان لديه محادثة مهمة مع مجموعة من الضباط واستمرت المحادثة أطول مما توقع. كان الضباط يعملون علي تطوير نظام دفاع جوي لاستخدامه في منطقة الحظر الجوي في شمال وجنوب العراق.
«إنهم يفهمون عملهم جيدا ويحققون تقدما، ولكنهم بحاجة إلي المال. إلا أننا لا نملك الكثير منه بسبب العقوبات». «كما يقول ماركس: يختفي المال دائما، عند المواقف الحرجة».
بدأ حظر استخدام المجال الجوي أولا في الشمال، ربما لإعطاء الأكراد الذين يعيشون في الأماكن الشمالية التي هربوا إليها بعد أحداث الشغب عام 1991 إحساسا إضافيا بالأمان.
أعلمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا بغداد بحظر تحليق أي طائرات أو مروحيات عراقية شمال خط العرض 36، حيث المناطق المسماة بالمناطق الآمنة، وبعد عام من الحظر قررت القوي العظمي الثلاث فرض حظر مماثل في الجنوب، مبدئيا حتي خط عرض 32 جنوبا.
كان العرب المقيمون في مناطق المستنقعات آنذاك يشنون حرب عصابات لا جدوي منها ضد جنود الحكومة، ولكن تم تجفيف جميع المستنقعات من خلال مشروع صدام لردم المستنقعات.
وعلي حد علمي لم يكن سبب الحظر الجوي هو حماية ذلك الشعب الصغير أو حماية الهاربين من الأكراد وإنما فقط لفرض الرقابة علي العراق.
وغطت منطقتا الحظر معظم أراضي العراق، خصوصا بعد توسيع المنطقة الجنوبية حتي خط عرض 33.
كانت الطائرات الأميركية والإنكليزية والفرنسية حتي عام 1998 تذكر دائما أن صدام لم يعد هو صاحب الأمر في البلاد. وتجلت هذه الحرب النفسية من خلال خمسين إلي مائة طلعة جوية يوميا.
وفي حال حدوث أي محاولة لضرب إحدي طائرات الحلفاء كان ردهم يأتي دونما تأخير بأن ينسفوا المواقع وقواعد الصواريخ العراقية.
وخلال تلك المهمات الجوية في مناطق الحظر قتل المئات من العراقيين وجرح الآلاف.
وبعد ذلك بأسبوع وبينما كنا نفحص عدي أثناء المرور الدوري إذا به يخرج الجميع عَداي من الحجرة. «قل لي يا دكتور علاء، لقد عالجت عمي وطبان أيضا وأجريت له عملية جراحية، أين كانت إصابته، الساق اليمني أم اليسري»؟
«اليسري».
«هلا قلت لي أين بالضبط»؟!
«نعم، في الموضع نفسه الذي تحطمت فيه ساقك بفعل الأعيرة النارية».
«يا إلهي... لقد عاقبني الله»!
ثم سكت برهة سألني بعدها عن المكان الذي يمكن أن يحصل فيه علي أفضل علاج، هل في بغداد أم في الخارج؟ وبينما كنت أناقشه في مزايا وعيوب كل من الإمكانيتين إذا بصدام يدخل علينا وبصحبته أخوه غير الشقيق وطبان، الذي كان يمشي بصعوبة شديدة بالرغم من أنه غادر مستشفي ابن سينا منذ أكثر من نصف سنة.
شماتة وطبان:
ومن سخرية القدر أن يرقد الآن ابن أخيه في المستشفي نفسه لإصابته في الساق اليسري أيضا وبطلق ناري حطم الساق كلية في الموضع نفسه الذي أصابه عدي فيه بطلق ناري يوم 8 أغسطس من العام الماضي وهم مجتمعون علي وليمة علي ضفة نهر دجلة، كان ذلك هو اليوم الصعب ذاته الذي هرب فيه أزواج بنات صدام بصحبة زوجاتهم وأبنائهم إلي الأردن. وبعد هذا الحادث آنذاك قدم عدي الاعتذارات لعمه وطلب منه الصفح. ولكن كان لدي شعور قوي بأن وطبان يبذل مجهودا كبيرا في إخفاء شماتته بابن أخيه عدي، علي الرغم من أن وجهه كان عابسا وهو يسأل ابن أخيه عن حاله. لقد كان يكره عدي حتي النخاع.
حاولت ساجدة وأختها توريطي في صفقة أجهزة رنين مغناطيسي لأن صدام يثق بي .
* طبيب أعشاب خدع صدام بدواء للسرطان.. فمات مرضاه
الدجالون:
نتيجة لعدم توافر الثقة بالأطباء تحول الطب في العراق إلي مجرد وهم ودجل.
وفي نهاية الثمانينات تلقيت يوما اتصالا هاتفيا من وزير الصحة آنذاك عبد السلام محمد سعيد الذي أبلغني بأن زوج ابنة صدام ووزيره للتصنيع الحربي والمدني حسين كامل المجيد يريد مقابلتي. حين قابلته كان معه قصاصة ورق من صحيفة وشريط فيديو قصير عن دواء ساحر لعلاج السرطان.
وقد قدم المخترع نفسه للرئيس الذي تحمس كل التحمس لاختراعه وقرر تقديم الدعم له، ولذلك فقد حضر إلي حسين كامل.
سحر.. طبي
ويعرض شريط الفيديو كيف يتم شفاء عدد من مرضي السرطان بما يشبه المعجزة بعدما يشربون بعض الأكواب من إكسير الأعشاب الذي أعده المخترع، الذي يقف في مطبخه يحرك الإكسير في قارورات كبيرة.
قال لي الوزير: «يجب أن أصارحك بأنني يساورني الشك في ذلك المُرَكب، ولكن المرضي يبدون في الشريط في حال أفضل بكثير بعدما شربوا من هذا المشروب العجيب الذي يقدمه لهم المخترع».
فأجبته بأنني أعتقد أنه يخلط مشروبه بكمية كبيرة من الكورتيزون، لأن مريض السرطان تتحسن حالته عقب تناوله هذه المادة ولكنها لا تعيق انتشار المرض. ولكي أكون أكثر وضوحا، إنني سأكون حذرا جدا قبل أن أثق بشخص يدعي أنه باحث في مرض السرطان وهو لا يملك مايكروسكوبا واحدا في معمله.
وبعد مضي شهرين افتضح أمر هذا المعالج النصاب الذي تحمس له صدام، فقد كان الجزء الأكبر من مشروبه السحري يتكون من الكورتيزون، ومات معظم مرضاه بعد تصوير الفيديو بفترة وجيزة، كما اتضح أن ذلك المخترع كان قد سُرِّح من الجيش لإصابته بمشكلات نفسية.
اختراع آخر
ولم يكن طبيب الأعشاب ذلك هو الوحيد الذي تمكن من خداع صدام، ففي الفترة نفسها التي كنت أعالج فيها صدام من مسامير الرجل ظهرت صيدلانية، وادعت اختراع مرهم لعلاج الغرغرينا وتريد تجريبه علي مرضانا.
كثير من مرضانا كانوا يعانون من الغرغرينا. ومرض السكر هو من أكثر الأمراض انتشارا في الشرق الأوسط، ومن أهم آثار هذا المرض حدوث تصلب في الأوعية وخصوصا في الساقين، وبسبب ضعف الدورة الدموية تحدث في هذه الأماكن بعض الحروق، حيث يكون الحل الوحيد هو البتر لتجنب انتشار موت الأنسجة الذي يهدد حياة المريض. ولم ترغب الصيدلانية أن تخبرنا بتركيبة المرهم الذي اخترعته، وكانت تدعي قدرتها علي منع انتشار الحالة وتحسين سريان الدورة الدموية بشكل هائل وبالتالي لن نضطر بعدها للبتر ويتم بذلك إنقاذ سيقان كثيرة.
وتردد الحديث وقتها عن أن هذا الكشف هو إعجاز عالمي يستحق جائزة نوبل.
قامت المخترعة بالكتابة لصدام وحكت له عن كشفها العلمي، ورد عليها الرئيس متلطفا: «حسب معلوماتي فإن الكثير من الأفكار الجديدة المتطورة لا تجد لها فرصة بسبب البيروقراطية، وأنا أعتقد أنهم سيحاولون وضع العراقيل في طريقك».
وحضرت إلي مستشفانا ومعها خطاب يؤكد لنا فيه عبد حمود رغبة الرئيس في أن نساعدها بأقصي جهدنا.
فأجبتها إلي طلبها قائلا: «لا مانع من أن تجربي مرهمك علي مرضانا بشرط أن توقعي تعهدا ينص علي تحملك وحدك المسؤولية كاملة عن حالاتهم، فنحن لا نعرف أي شيء عن المكونات الكيميائية لهذا المرهم أو الأعراض الجانبية لاستخدامه، ولكن إذا قبلت تحمل المسؤولية بشكل شخصي فلا مانع لدي».
فقالت لي إنها ستحضر في اليوم التالي ولكنها لم تفعل.
معاقبة طبيب القلب
ثم أتت بعد ذلك إلي رياض محمد صالح مدير عام مركز صدام لجراحة القلب. كان الدكتور صالح من أهم أخصائيي القلب في العراق وكان لفترة طويلة في الفريق الطبي الخاص بالرئيس. وفي يوم فقد وظيفته مما أثار عجبنا في البداية، حتي عرفنا السبب بعدها.
قام الدكتور صالح في إحدي المرات بفحص صدام واكتشف أن ضغط دمه كان مرتفعا جدا، ولذا فقد نصحه الطبيب بالإقلال من أكل الدهون والملح والإقلال من التدخين وقبل الفحص التالي قام أحد الحراس الشخصيين لصدام بإبلاغ الطبيب بأن صدام لم يقلل من التدخين بل علي العكس أصبح يدخن أكثر من ذي قبل، ولم يتبع نصيحة الطبيب.
وعندما قاس الطبيب ضغط دم صدام قال له: «يا سيادة الرئيس، يجب أن أذكرك أن التدخين يمثل ضررا كبيرا وخطرا علي ضغط الدم، لذا فيجب عليك الإقلاع عن التدخين».
واستشاط صدام غضبا وجنونا.
«أغلق فمك . لقد قلت لي ذلك من قبل. إنك تكرر نفسك. إذا كنت أدخن أم لا فهذا أمر يخصني أنا فقط، وأنت ليس لك أي لزوم هنا».
الصيدلانية علي الخط
وعلي الرغم من أن مدير المستشفي قد احتفظ بعد هذه الواقعة بوظيفته إلا أن بقاءه في هذه الوظيفة أصبح مهددا بعد ظهور تلك الصيدلانية.
فقد كان من بين ما طلبته أن تتولي هي علاج الفريق الركن هشام صباح الفخري وهو أحد القواد الذين جرحوا أثناء الحرب ضد إيران.
وكان اللواء مصابا بالغرغرينا في رجليه نتيجة للدرجة المتقدمة من مرض السكر التي كان يعاني منها. وحكي لي الدكتور صالح شاكيا: «لم أجرؤ علي الرفض فقد حضرت بصحبة أحد حراس صدام، لقد أخبرته بأن الأطباء الذين قابلتهم هنا لم يبدوا أي ترحاب أو تعاون، وهذا ما لم يقبله صدام».
وبعد يوم من استخدامها للمرهم السحري علي باطن ساق الفريق، قام الدكتور صالح بأخذ عينة من المرهم في السر ليفحص تركيبها البكتيري.
وأثبت التحليل المعملي أن المرهم يحتوي كمية كبيرة من البكتيريا بمختلف أنواعها. وعندما واجه الصيدلانية بهذه النتيجة ثارت وصرخت فيه: «كيف تجرؤ علي أخذ عينة من المرهم وتفحصها في المعمل دون علمي! ثم خرجت من الحجرة غاضبة».
وعلي الفور ذهبت إلي القصر الجمهوري لتشتكي للرئيس، الذي كان يسمع لها دائما. وكان ما حدث بالنسبة إليه دليلا قاطعا علي أنهم يضعون العراقيل في طريقها، وأن الأطباء يرفضون التعاون معها.
وبالفعل تلقي بعدها الدكتور صالح قرارا بعزله عن منصبه كمدير لمركز صدام لأمراض القلب. وبعد ذلك كلف مستشفي اليرموك بالتعاون مع المخترعة. ثم دعاها صدام إلي مكتبه بصحبة وزير الصحة وأربعة من المتخصصين في الأمراض التي تفضي إلي موت الخلايا وقال الرئيس إنه قد أعطي أوامره بتخصيص معمل وفريق عمل لمساعدة الطبيبة علي إتمام أبحاثها حول المرهم الجديد في مستشفي اليرموك. ولكن ساقي الفريق الفخري لم يمكن إنقاذهما وتم بترهما.
قدم الرئيس اليمني
وفي يوم العاشر من شهر فبراير تم اصطحابي من مستشفي ابن سينا إلي بيت صغير بالقرب من الجسر المعلق لكي أفحص قدم الرئيس اليمني في تمام الساعة الخامسة مساء، ولكني اضطررت لانتظاره فترة، لذلك فقد اعتذر لي صدام عند قدومه علي تأخره عليَّ.
الحظر الجوي
كان لديه محادثة مهمة مع مجموعة من الضباط واستمرت المحادثة أطول مما توقع. كان الضباط يعملون علي تطوير نظام دفاع جوي لاستخدامه في منطقة الحظر الجوي في شمال وجنوب العراق.
«إنهم يفهمون عملهم جيدا ويحققون تقدما، ولكنهم بحاجة إلي المال. إلا أننا لا نملك الكثير منه بسبب العقوبات». «كما يقول ماركس: يختفي المال دائما، عند المواقف الحرجة».
بدأ حظر استخدام المجال الجوي أولا في الشمال، ربما لإعطاء الأكراد الذين يعيشون في الأماكن الشمالية التي هربوا إليها بعد أحداث الشغب عام 1991 إحساسا إضافيا بالأمان.
أعلمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا بغداد بحظر تحليق أي طائرات أو مروحيات عراقية شمال خط العرض 36، حيث المناطق المسماة بالمناطق الآمنة، وبعد عام من الحظر قررت القوي العظمي الثلاث فرض حظر مماثل في الجنوب، مبدئيا حتي خط عرض 32 جنوبا.
كان العرب المقيمون في مناطق المستنقعات آنذاك يشنون حرب عصابات لا جدوي منها ضد جنود الحكومة، ولكن تم تجفيف جميع المستنقعات من خلال مشروع صدام لردم المستنقعات.
وعلي حد علمي لم يكن سبب الحظر الجوي هو حماية ذلك الشعب الصغير أو حماية الهاربين من الأكراد وإنما فقط لفرض الرقابة علي العراق.
وغطت منطقتا الحظر معظم أراضي العراق، خصوصا بعد توسيع المنطقة الجنوبية حتي خط عرض 33.
كانت الطائرات الأميركية والإنكليزية والفرنسية حتي عام 1998 تذكر دائما أن صدام لم يعد هو صاحب الأمر في البلاد. وتجلت هذه الحرب النفسية من خلال خمسين إلي مائة طلعة جوية يوميا.
وفي حال حدوث أي محاولة لضرب إحدي طائرات الحلفاء كان ردهم يأتي دونما تأخير بأن ينسفوا المواقع وقواعد الصواريخ العراقية.
وخلال تلك المهمات الجوية في مناطق الحظر قتل المئات من العراقيين وجرح الآلاف.
khalid- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى