كنت طبيبا لصدام الجزء السادس والعشرون
صفحة 1 من اصل 1
كنت طبيبا لصدام الجزء السادس والعشرون
انتقام عدي في «بابل»
لذلك فلم اندهش عندما حضر إلي المستشفي بعد ثلاثة أيام اثنان من المحررين الصحفيين ومصور من العاملين في جريدة بابل التي يمتلكها ويرأس تحريرها نجل الرئيس.
بالطبع كان أول ما فعلوه هو تفقدهم للمصعد التعس والتالف، كما قاموا بتصويره من كل الجهات ثم جاءوا إلي مكتبي، وطلبوا مني التعليق علي وضع المصعد المعطل الذي اعتبروه فشلا إداريا سببه الإدارة السيئة للمستشفي التي لم تتمكن من عمل أي شيء لإصلاحه علي مدار عشر سنوات.
وأكدوا لي أنهم سيقومون بنشر هذا المقال في جريدتهم.
وأخبرتهم أني متشوق لقراءته وشكرتهم لاهتمامهم بهذه المشكلة وأن المستشفي يعتمد علي جهودهم الصحفية التي ستعود علينا بالفائدة بكل تأكيد:«لقد كتبنا مرات كثيرة لا حصر لها لوزارة الصحة وطلبنا منهم إمدادنا بالأموال وقطع الغيار اللازمة لعمل الإصلاحات ولكن حتي الآن دون جدوي، كما رأيتم بأنفسكم».
ثم شكرني المحرران والمصور وخرجوا، وسألت نفسي ما إذا كانوا سيقومون فعلاً بنشر هذا المقال، لأنهم إذا فعلوا فسوف أفقد عملي كمدير للمستشفي، فمعظم من هاجمتهم هذه الصحيفة واتهمتهم بالتقصير فقدوا أعمالهم سواء كانوا وزراءً أو مثلي في ذيل السلم الوظيفي.
وقد كانت لي مشكلة سابقة مع جريدة بابل في الفترة بين نهاية عام 1992 وبداية عام 1993 عندما دعاني عدي ذات مساء وحدثني في أمور كثيرة وامتدح إنجازاتي كطبيب وكفنان وطلب مني أن أكتب في جريدته كلاماً فيه إساءة لبعض الوزراء وأصحاب المناصب العليا في حزب البعث، وفي المقابل وعدني أن تقوم الجريدة بامتداحي وتمجيدي ونشر صورتي بالحجم نفسه الذي تنشر به صورة صدام علي صفحة الغلاف.
شتم المسؤولين
فأجبته بأنني لا أعرف تلك الشخصيات التي ذكرها ولذلك فلست مؤهلاً لهذه المهمة. ولكنه أكد لي أن ذلك لا يعد مشكلة علي الإطلاق، وأضاف قائلاً:
«سنمدك بكل المعلومات اللازمة».
علي الرغم من ذلك أعدت عليه رفضي للعرض وقلت له: «أنا لست موهوباً في الكتابة».
ولا أجــد مسوّغا لأن أسمح لنفسي بشتم المسئولين علي صفحات الجرائد من دون مبرر.
وبعدها بخمسة أيام نشرت الجريدة صفحة كاملة عن: مستشفي الدكتور علاء بشير الخاص في بغداد. ذكروا في المقال أن الدكتور علاء يتربح من مرضي جراحات التجميل ويطلب منهم أتعابا مبالغا فيها واتهموا سكرتيرتي بالاحتيال وبأنها تقنع المرضي الذين يقعون في مخالبنا بعمل صور بالأشعة وتحاليل دم، علي الرغم من أن معظمهم لا يكونون في حاجة الي ذلك. بالإضافة لذلك فقد اتهمونني بالعجرفة والغرور والوقاحة. وفي ختام المقال طالبوني ألا أنسي أنه حتي فرعون قد مات وأنه لم يأخذ معه شيئا مما جمعه من المال ومن عرض الدنيا.
حق الرد
وما إن نزلت الجريدة إلي الأسواق حتي أُوقف توزيعها. وفي اليوم التالي تلقيت اتصالاً من وزير الثقافة حامد حمدي الذي أخبرني أن لديه تعليمات بأن يتيح لي إمكان الرد. يمكنني أن أكتب ما شئت وسيظهر في جريدة اليوم التالي ويذاع في التلفاز. ولكني رفضت، فما كُتب في الجريدة لا يستحق الرد. وقلت له:
«دعهم يقولون ويكتبون ما يشاءون، فستثبت الأيام من كان منا علي حق ومن كان الكذاب. والناس يعرفونني ويعرفون أن هذا المقال مجرد هُراء. ومن لا يعرف ذلك الآن، فسيعرفه بعد فترة».
وبعد أسبوع قابلت ساجدة أم عدي واعتذرت لي علي ما جاء في المقال وأخبرتني أن صدام غضب جداً عندما قرأه وقالت إنهم يأسفون جميعا لما حدث، وأن عدي نفي عن نفسه أي مسؤولية وأخبر عائلته أن المقال تم تحريره ونشره دون علمه أو اشتراكه.
ولم يظهر أي مقال عن المصعد المعطل أو العمل الرديء في مركز صدام لجراحات التجميل مرة أخري، مما أصابني بالدهشة. وعلي الرغم من علمي بأن صدام مازال يكن لي الاحترام والتقدير إلا أن عدي كان يتمادي في تنفيذ رغباته رغم أنف أبيه. وكنت أشعر أن الرئيس لا يجرؤ علي وضع حد لحملات عدي الانتقامية خوفاً من أن يفلت زمام جنون عدي. كان نجل الرئيس يسيئ استغلال حرية الصحافة من خلال جريدة بابل وعن طريق محطة تليفزيون الشباب التي كان يمتلكها. وفي أحد الأيام وأثناء إجرائي لعملية جراحية، إذا بمُعد برامج من محطة الشباب يأتي إليّ في العيادة ويطلب مني أن أذهب معه لتصوير برنامج حواري.
فأجبته: «لا أستطيع الحضور معك فغرفة الانتظار فيها مرضي كثيرون ولا يمكن أن أرسلهم إلي منازلهم الآن».
فقال لي: «يجب أن تحضر وإلا فسيغضب عدي فهو مُصِر علي اشتراكك في هذا البرنامج».
فقلت له: «ولكنني حتي لا أعرف موضوع البرنامج ولست مستعداً له. يؤسفني أنني لن أستطيع الحضور».
فسألني: «هل يمكنك أن تتصل بالمنتج»؟
فأجبته: لا، لن أفعل. اتصل أنت به وبعُدي وأخبرهما أنك لم تجدني وسأغلق أنا العيادة وأذهب إلي أي مكان لا يجدانني فيه.
خبر كان
كنت أعرف هذا الشاب، فهو ابن صديق لي يعمل مهندسا معماريا. قلت له: أبوك صديق عزيز علي، والآن ستفعل ما أخبرتك به. فوافق علي مضض وخرج من عندي. ولم تمض دقيقتان إلا وكان عندي مرة أخري قائلاً أرجوك يا دكتور علاء لا تتسبب لي في مشكلة، إذا اكتشفوا الأمر سأكون أنا في خبر كان.
«لا تخف، لا أحد غيرنا نحن الاثنين يعرف بالأمر».
«الله مطلع علينا ويعرف كل شيء، أرجوك اتصل بالمنتج».
مقابلة بالقوة
اتصلت به فقال لي: «عدي يجلس بجواري وطلب شخصياً اشتراكك في البرنامج مع مجموعة من الضيوف وأنا أخشي أنك إذا لم تحضر فسوف يقولون عنك أشياء كثيرة لن ترضيك».
كنا خمسة من المشاركين في البرنامج، مطربة أردنية وزوجها، مطرب عراقي وواحد من وزراء صدام وكنت أنا جالساً بجوار المذيعة وهي شابة بالغة الجمال، ودون أن يلاحظ أحد دفعت إلي بالورقة التي كُتبت فيها الأسئلة وأرادت من ذلك أن تُعلمنِي أنها لم تكن فكرتها هي ولا الأسئلة من إعدادها.
كان السؤال الأول: لماذا لا تحب التعاون مع محطتنا؟
وبعد أن أجبت عن السؤال بأنها ليست مشكلة تماماً بالنسبة لي أن أظهر في برامج عدي، استكملت أسئلتها التي كانت علي غرار السؤال الأول، مثلاً لماذا أتصرف وكأني أفضل من الآخرين، لماذا أنا دائماً عنيد وهكذا؟ وتحول الموضع برمته إلي حرب كلامية. وعندما انتهت الحلقة، اقتربت مني المذيعة وهمست إلي: «أرجوك أن تطلب مني اصطحابك إلي الخارج. وبدا عليها الخوف والهلع. غادرنا الاستديو معا واصطحبتني إلي الباب الرئيسي حيث انتظرها معد البرامج الشاب في سيارته القديمة ماركة فولكس فاجن، وتركنا المكان معاً، كان هذا الشاب هو خطيب المذيعة. ونحن في السيارة شكرانني وقالا لي أن عدي طلب مقابلة المذيعة الحسناء وحدها بعد التصوير في حجرة خلفية. وبعد شهر تزوجا وهربا إلي الأردن.
قصي ورغد يطلبان «تعديل» أنفي ابنتيهما عشية الـحرب
* برزان قال لي: حمود وعصابة الأربعة كلهم أشرار ومستشارون فاشلون لصدام
الانهيار
في السادس من يناير عام 2002 تم الاحتفال بيوم الجيش في عرض عسكري ضخم أراد به صدام أن يرِي العالم والعراقيين أنه مازال لديه جيش حديث وقوي. تجمع وجهاء البلد والمتفرجون المتحمسون في ميدان النصر بينما كان الآلاف من الجنود يمرون بالدبابات والسيارات المصفحة وسيارات النقل المحملة بالصواريخ أرض جو من تحت النصب التذكاري الذي كان يمثل سيفين متقاطعين ويذكر بالنصر في الحرب علي إيران وبالطبع كان التلفاز ينقل استعراض القوة هذا مباشرة ولم يعرض التلفاز الفوضي المرورية التي لم يسبق أن حدث مثلها في بغداد. ازدحمت تقريبا جميع الميادين والتقاطعات بعربات الجيش التي لم تستطع الوصول إلي ميــدان النــصر وتعطلت الواحدة تلو الأخري.. مئات السيارات توقفت عن العمل.
فضيحة مضحكة
وإذا كان هناك من يتوهم أن العراق كان لايزال بخير فقد تبددت جميع الأوهام في «يوم الجيش». كل بغداد كانت تتحدث عن هذه الفضيحة، وأطلقت النكات وضحكنا عليها.
كانت مظاهر الانهيار تطالعنا واضحة في كل مكان، ففي أماكن متزايدة من بغداد بدأت مياه الصرف الصحي في ملء الشوارع من الرصيف إلي الرصيف. كان الماء يصعد من الأرض ولا أحد يعرف من أين.
كان طفح مياه الصرف الصحي يحدث دائما بالطريقة نفسها فقد كان يصيب الحي تلو الآخر بالتناوب وعندما استقصيت هذه الظاهرة عرفت السبب: لقد أصاب جنون الفساد قطاع الصرف الصحي ببغداد أيضا.
عندما تطفح مياه الصرف الصحي في مكان وتملأه كان الناس يذهبون للمهندس المسؤول في الإدارة المختصة، وهناك كان الفني المسؤول متواجد دائما وفي مقابل رشوة مناسبة يقوم بتحويل مياه الصرف الصحي إلي حي سكني آخر.. كانت هذه تجارة مربحة.
فساد في كل مكان
امتد الفساد في كل المجتمع العراقي ولم يتوقف امتداده حتي في الوسط الأكاديمي فقد ازدادت الحالات التي يأخذ فيها المدرسون والأساتذة ــ الذين لم تعد الحكومة قادرة علي دفع رواتبهم ــ الرشاوي من تلاميذهم وطلابهم من أجل مساعدتهم علي اجتياز اختبارات القبول أو الامتحانات. بدأت الجامعات والمعاهد العليا في العراق التي كانت تعمل علي مستوي عال وتبعاَ للنموذج الإنكليزي، بدأت مثلها مثل كل شيء في المجتمع العراقي في الانهيار وقد ساهمت الطبقة الحاكمة في هذا الانهيار، فقد ظهرت علي كثير منهم فجأة عقد الإحساس بالنقص لأن الأعضاء الشباب في حزب البعث بدأوا في الترقي. وكان معظمهم من الحاصلين علي الشهادة الجامعية ودرجة الدكتوراه من جامعة بغداد. وكان معظم المقربين من صدام من الحاصلين علي شهادة إتمام التعليم الابتدائي أو الثانوي علي الأكثر.
وكان الحل بالنسبة لهم هو الدراسات التكميلية.
وبالتدريج بدأوا في الحصول علي جميع الشهادات والدرجات العلمية، خصوصا عدي استطاع أن يتفوق في ذلك، فقد اجتاز كل الامتحانات بهمة ونشاط وحصل علي درجة الدكتوراه وسط تهليل المشجعين وضحكات الشعب.
وتبعه عبدحمود وجمال مصطفي زوج حلا ابنة صدام الصغري ثم سبعاوي الأخ غير الشقيق لصدام ثم ابناؤه الثلاثة استطاعوا أيضا في وقت قياسي الحصول علي درجة الدكتوراه في علم القانون أو الاقتصاد السياسي.
كما تم ترتيب شروط خاصة في كلية العلوم السياسية لتهيئة الفرصة لكبار رجال المجتمع من أجل تحسين مؤهلاتهم الدراسية.
وكان يتم عادة الإعلان عن نتيجة الامتحانات قبل عقدها، ولأنهم كما ذكرنا من كبار رجال المجتمع فلم يكن من الممكن أن يجلس الممتحن مع باقي أقرانه للإجابة عن أسئلة الامتحان وإنما كانوا يجلسون في مكتب عميد الكلية مع اثنين من الأساتذة المكلفين بالإشراف عليهم وعند الضرورة بمساعدتهم.
أما المدرسون الجامعيون الذين كانوا يرفضون الاشتراك في هذه العملية التعليمية الخاصة فكانوا يهددون بالطرد من عملهم وفي بعض الحالات بالسجن.
لذلك فلم اندهش عندما حضر إلي المستشفي بعد ثلاثة أيام اثنان من المحررين الصحفيين ومصور من العاملين في جريدة بابل التي يمتلكها ويرأس تحريرها نجل الرئيس.
بالطبع كان أول ما فعلوه هو تفقدهم للمصعد التعس والتالف، كما قاموا بتصويره من كل الجهات ثم جاءوا إلي مكتبي، وطلبوا مني التعليق علي وضع المصعد المعطل الذي اعتبروه فشلا إداريا سببه الإدارة السيئة للمستشفي التي لم تتمكن من عمل أي شيء لإصلاحه علي مدار عشر سنوات.
وأكدوا لي أنهم سيقومون بنشر هذا المقال في جريدتهم.
وأخبرتهم أني متشوق لقراءته وشكرتهم لاهتمامهم بهذه المشكلة وأن المستشفي يعتمد علي جهودهم الصحفية التي ستعود علينا بالفائدة بكل تأكيد:«لقد كتبنا مرات كثيرة لا حصر لها لوزارة الصحة وطلبنا منهم إمدادنا بالأموال وقطع الغيار اللازمة لعمل الإصلاحات ولكن حتي الآن دون جدوي، كما رأيتم بأنفسكم».
ثم شكرني المحرران والمصور وخرجوا، وسألت نفسي ما إذا كانوا سيقومون فعلاً بنشر هذا المقال، لأنهم إذا فعلوا فسوف أفقد عملي كمدير للمستشفي، فمعظم من هاجمتهم هذه الصحيفة واتهمتهم بالتقصير فقدوا أعمالهم سواء كانوا وزراءً أو مثلي في ذيل السلم الوظيفي.
وقد كانت لي مشكلة سابقة مع جريدة بابل في الفترة بين نهاية عام 1992 وبداية عام 1993 عندما دعاني عدي ذات مساء وحدثني في أمور كثيرة وامتدح إنجازاتي كطبيب وكفنان وطلب مني أن أكتب في جريدته كلاماً فيه إساءة لبعض الوزراء وأصحاب المناصب العليا في حزب البعث، وفي المقابل وعدني أن تقوم الجريدة بامتداحي وتمجيدي ونشر صورتي بالحجم نفسه الذي تنشر به صورة صدام علي صفحة الغلاف.
شتم المسؤولين
فأجبته بأنني لا أعرف تلك الشخصيات التي ذكرها ولذلك فلست مؤهلاً لهذه المهمة. ولكنه أكد لي أن ذلك لا يعد مشكلة علي الإطلاق، وأضاف قائلاً:
«سنمدك بكل المعلومات اللازمة».
علي الرغم من ذلك أعدت عليه رفضي للعرض وقلت له: «أنا لست موهوباً في الكتابة».
ولا أجــد مسوّغا لأن أسمح لنفسي بشتم المسئولين علي صفحات الجرائد من دون مبرر.
وبعدها بخمسة أيام نشرت الجريدة صفحة كاملة عن: مستشفي الدكتور علاء بشير الخاص في بغداد. ذكروا في المقال أن الدكتور علاء يتربح من مرضي جراحات التجميل ويطلب منهم أتعابا مبالغا فيها واتهموا سكرتيرتي بالاحتيال وبأنها تقنع المرضي الذين يقعون في مخالبنا بعمل صور بالأشعة وتحاليل دم، علي الرغم من أن معظمهم لا يكونون في حاجة الي ذلك. بالإضافة لذلك فقد اتهمونني بالعجرفة والغرور والوقاحة. وفي ختام المقال طالبوني ألا أنسي أنه حتي فرعون قد مات وأنه لم يأخذ معه شيئا مما جمعه من المال ومن عرض الدنيا.
حق الرد
وما إن نزلت الجريدة إلي الأسواق حتي أُوقف توزيعها. وفي اليوم التالي تلقيت اتصالاً من وزير الثقافة حامد حمدي الذي أخبرني أن لديه تعليمات بأن يتيح لي إمكان الرد. يمكنني أن أكتب ما شئت وسيظهر في جريدة اليوم التالي ويذاع في التلفاز. ولكني رفضت، فما كُتب في الجريدة لا يستحق الرد. وقلت له:
«دعهم يقولون ويكتبون ما يشاءون، فستثبت الأيام من كان منا علي حق ومن كان الكذاب. والناس يعرفونني ويعرفون أن هذا المقال مجرد هُراء. ومن لا يعرف ذلك الآن، فسيعرفه بعد فترة».
وبعد أسبوع قابلت ساجدة أم عدي واعتذرت لي علي ما جاء في المقال وأخبرتني أن صدام غضب جداً عندما قرأه وقالت إنهم يأسفون جميعا لما حدث، وأن عدي نفي عن نفسه أي مسؤولية وأخبر عائلته أن المقال تم تحريره ونشره دون علمه أو اشتراكه.
ولم يظهر أي مقال عن المصعد المعطل أو العمل الرديء في مركز صدام لجراحات التجميل مرة أخري، مما أصابني بالدهشة. وعلي الرغم من علمي بأن صدام مازال يكن لي الاحترام والتقدير إلا أن عدي كان يتمادي في تنفيذ رغباته رغم أنف أبيه. وكنت أشعر أن الرئيس لا يجرؤ علي وضع حد لحملات عدي الانتقامية خوفاً من أن يفلت زمام جنون عدي. كان نجل الرئيس يسيئ استغلال حرية الصحافة من خلال جريدة بابل وعن طريق محطة تليفزيون الشباب التي كان يمتلكها. وفي أحد الأيام وأثناء إجرائي لعملية جراحية، إذا بمُعد برامج من محطة الشباب يأتي إليّ في العيادة ويطلب مني أن أذهب معه لتصوير برنامج حواري.
فأجبته: «لا أستطيع الحضور معك فغرفة الانتظار فيها مرضي كثيرون ولا يمكن أن أرسلهم إلي منازلهم الآن».
فقال لي: «يجب أن تحضر وإلا فسيغضب عدي فهو مُصِر علي اشتراكك في هذا البرنامج».
فقلت له: «ولكنني حتي لا أعرف موضوع البرنامج ولست مستعداً له. يؤسفني أنني لن أستطيع الحضور».
فسألني: «هل يمكنك أن تتصل بالمنتج»؟
فأجبته: لا، لن أفعل. اتصل أنت به وبعُدي وأخبرهما أنك لم تجدني وسأغلق أنا العيادة وأذهب إلي أي مكان لا يجدانني فيه.
خبر كان
كنت أعرف هذا الشاب، فهو ابن صديق لي يعمل مهندسا معماريا. قلت له: أبوك صديق عزيز علي، والآن ستفعل ما أخبرتك به. فوافق علي مضض وخرج من عندي. ولم تمض دقيقتان إلا وكان عندي مرة أخري قائلاً أرجوك يا دكتور علاء لا تتسبب لي في مشكلة، إذا اكتشفوا الأمر سأكون أنا في خبر كان.
«لا تخف، لا أحد غيرنا نحن الاثنين يعرف بالأمر».
«الله مطلع علينا ويعرف كل شيء، أرجوك اتصل بالمنتج».
مقابلة بالقوة
اتصلت به فقال لي: «عدي يجلس بجواري وطلب شخصياً اشتراكك في البرنامج مع مجموعة من الضيوف وأنا أخشي أنك إذا لم تحضر فسوف يقولون عنك أشياء كثيرة لن ترضيك».
كنا خمسة من المشاركين في البرنامج، مطربة أردنية وزوجها، مطرب عراقي وواحد من وزراء صدام وكنت أنا جالساً بجوار المذيعة وهي شابة بالغة الجمال، ودون أن يلاحظ أحد دفعت إلي بالورقة التي كُتبت فيها الأسئلة وأرادت من ذلك أن تُعلمنِي أنها لم تكن فكرتها هي ولا الأسئلة من إعدادها.
كان السؤال الأول: لماذا لا تحب التعاون مع محطتنا؟
وبعد أن أجبت عن السؤال بأنها ليست مشكلة تماماً بالنسبة لي أن أظهر في برامج عدي، استكملت أسئلتها التي كانت علي غرار السؤال الأول، مثلاً لماذا أتصرف وكأني أفضل من الآخرين، لماذا أنا دائماً عنيد وهكذا؟ وتحول الموضع برمته إلي حرب كلامية. وعندما انتهت الحلقة، اقتربت مني المذيعة وهمست إلي: «أرجوك أن تطلب مني اصطحابك إلي الخارج. وبدا عليها الخوف والهلع. غادرنا الاستديو معا واصطحبتني إلي الباب الرئيسي حيث انتظرها معد البرامج الشاب في سيارته القديمة ماركة فولكس فاجن، وتركنا المكان معاً، كان هذا الشاب هو خطيب المذيعة. ونحن في السيارة شكرانني وقالا لي أن عدي طلب مقابلة المذيعة الحسناء وحدها بعد التصوير في حجرة خلفية. وبعد شهر تزوجا وهربا إلي الأردن.
قصي ورغد يطلبان «تعديل» أنفي ابنتيهما عشية الـحرب
* برزان قال لي: حمود وعصابة الأربعة كلهم أشرار ومستشارون فاشلون لصدام
الانهيار
في السادس من يناير عام 2002 تم الاحتفال بيوم الجيش في عرض عسكري ضخم أراد به صدام أن يرِي العالم والعراقيين أنه مازال لديه جيش حديث وقوي. تجمع وجهاء البلد والمتفرجون المتحمسون في ميدان النصر بينما كان الآلاف من الجنود يمرون بالدبابات والسيارات المصفحة وسيارات النقل المحملة بالصواريخ أرض جو من تحت النصب التذكاري الذي كان يمثل سيفين متقاطعين ويذكر بالنصر في الحرب علي إيران وبالطبع كان التلفاز ينقل استعراض القوة هذا مباشرة ولم يعرض التلفاز الفوضي المرورية التي لم يسبق أن حدث مثلها في بغداد. ازدحمت تقريبا جميع الميادين والتقاطعات بعربات الجيش التي لم تستطع الوصول إلي ميــدان النــصر وتعطلت الواحدة تلو الأخري.. مئات السيارات توقفت عن العمل.
فضيحة مضحكة
وإذا كان هناك من يتوهم أن العراق كان لايزال بخير فقد تبددت جميع الأوهام في «يوم الجيش». كل بغداد كانت تتحدث عن هذه الفضيحة، وأطلقت النكات وضحكنا عليها.
كانت مظاهر الانهيار تطالعنا واضحة في كل مكان، ففي أماكن متزايدة من بغداد بدأت مياه الصرف الصحي في ملء الشوارع من الرصيف إلي الرصيف. كان الماء يصعد من الأرض ولا أحد يعرف من أين.
كان طفح مياه الصرف الصحي يحدث دائما بالطريقة نفسها فقد كان يصيب الحي تلو الآخر بالتناوب وعندما استقصيت هذه الظاهرة عرفت السبب: لقد أصاب جنون الفساد قطاع الصرف الصحي ببغداد أيضا.
عندما تطفح مياه الصرف الصحي في مكان وتملأه كان الناس يذهبون للمهندس المسؤول في الإدارة المختصة، وهناك كان الفني المسؤول متواجد دائما وفي مقابل رشوة مناسبة يقوم بتحويل مياه الصرف الصحي إلي حي سكني آخر.. كانت هذه تجارة مربحة.
فساد في كل مكان
امتد الفساد في كل المجتمع العراقي ولم يتوقف امتداده حتي في الوسط الأكاديمي فقد ازدادت الحالات التي يأخذ فيها المدرسون والأساتذة ــ الذين لم تعد الحكومة قادرة علي دفع رواتبهم ــ الرشاوي من تلاميذهم وطلابهم من أجل مساعدتهم علي اجتياز اختبارات القبول أو الامتحانات. بدأت الجامعات والمعاهد العليا في العراق التي كانت تعمل علي مستوي عال وتبعاَ للنموذج الإنكليزي، بدأت مثلها مثل كل شيء في المجتمع العراقي في الانهيار وقد ساهمت الطبقة الحاكمة في هذا الانهيار، فقد ظهرت علي كثير منهم فجأة عقد الإحساس بالنقص لأن الأعضاء الشباب في حزب البعث بدأوا في الترقي. وكان معظمهم من الحاصلين علي الشهادة الجامعية ودرجة الدكتوراه من جامعة بغداد. وكان معظم المقربين من صدام من الحاصلين علي شهادة إتمام التعليم الابتدائي أو الثانوي علي الأكثر.
وكان الحل بالنسبة لهم هو الدراسات التكميلية.
وبالتدريج بدأوا في الحصول علي جميع الشهادات والدرجات العلمية، خصوصا عدي استطاع أن يتفوق في ذلك، فقد اجتاز كل الامتحانات بهمة ونشاط وحصل علي درجة الدكتوراه وسط تهليل المشجعين وضحكات الشعب.
وتبعه عبدحمود وجمال مصطفي زوج حلا ابنة صدام الصغري ثم سبعاوي الأخ غير الشقيق لصدام ثم ابناؤه الثلاثة استطاعوا أيضا في وقت قياسي الحصول علي درجة الدكتوراه في علم القانون أو الاقتصاد السياسي.
كما تم ترتيب شروط خاصة في كلية العلوم السياسية لتهيئة الفرصة لكبار رجال المجتمع من أجل تحسين مؤهلاتهم الدراسية.
وكان يتم عادة الإعلان عن نتيجة الامتحانات قبل عقدها، ولأنهم كما ذكرنا من كبار رجال المجتمع فلم يكن من الممكن أن يجلس الممتحن مع باقي أقرانه للإجابة عن أسئلة الامتحان وإنما كانوا يجلسون في مكتب عميد الكلية مع اثنين من الأساتذة المكلفين بالإشراف عليهم وعند الضرورة بمساعدتهم.
أما المدرسون الجامعيون الذين كانوا يرفضون الاشتراك في هذه العملية التعليمية الخاصة فكانوا يهددون بالطرد من عملهم وفي بعض الحالات بالسجن.
khalid- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى