كنت طبيبا لصدام الجزء السابع والعشرون
صفحة 1 من اصل 1
كنت طبيبا لصدام الجزء السابع والعشرون
ابن عبد حمود
أما في كلية الطب التي كنت أستاذا فيها فلم يكن الوضع لحسن الحظ بهذا السوء وبالرغم من ذلك فقد وصل إلينا مهرجان الفساد الذي أحاط بالرئيس: كان لدي عبدحمود الذي حصل علي الدكتوراه في العلوم السياسية منذ فترة وجيزة الرغبة في أن يري ابنه طبيبا وفي الظروف الطبيعية لم يكن ابنه ليصبح طبيبا أبدا. كان خضر الجنابي المشرف عليه طبيباَ مساعدا في مقتبل العمر، وكان يعمل في مستشفي بغداد وفجأة سطع نجمه وترقي في المجتمع الأكاديمي بسرعة خاطفة لم نرها منذ حصول عدي علي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية علم الاقتصادي السياسي في المؤسسة التعليمية نفسها. في غضون سنتين تحول الطبيب المساعد الجنابي إلي طبيب أول ثم إلي عميد الكلية.
ولولا دخول الأميركان العراق وسقوط الحكومة في شهر إبريل 2003 لكان عمر عبدالآن حاصلا علي شهادة في الطب وبأعلي التقديرات بلا شك.
أنا لا أشك في أن صدام كانت لديه الرغبة في وضع حد لهذه المأساة التي انتشرت في الجامعات والمعاهد العليا. ولكن وضعه كان يزداد انعزالا ولم يعد قادرا علي إجراء حملة تطهير بين رجاله المخلصين جدا، الذين كانوا في الوقت ذاته فاسدين وعاجزين.
السيئ والجيد
ولأنه كان يخاف علي أمنه الشخصي بشكل مرض فلم يكن باستطاعته تعيين أناس جدد يكونون مناسبين لشغل المناصب القيادية ولم يجرؤ علي التخلص من الأوغاد الذين نسجوا حوله خيوطهم. كان دائما يقول: «شخص سيئ تعرفه خير من شخص جيد لا تعرف عنه شيئا».
وقابلته في نهاية شهر يناير من عام 2002 عندما احتفلت اللجنة العليا للتعليم والتدريب الطبي التي كنت عضوا فيها باليوبيل العاشر.
وكان الدكتور همام عبدالخالق وزير التعليم قد رجاني أن اعد تمثالا ليقدمه لصدام في الحفلة كتعبير عن الشكر والعرفان نظير دعمه لعمل اللجنة.
وفرح صدام بالتمثال جدا.
وسألني: «كيف تسير التوسعات في مركز جراحات التجميل»؟
فأجبته: «علي أفضل وجه». بالرغم من علمي بأن الوضع كان عكس ذلك.
كنا قد شرعنا في التوسعات بناء علي مبادرة من صدام قبل ست عشرة سنة، عندما أعجب وتحمس لعملنا الذي أديناه في مستشفي الواسطي أثناء الحرب بين العراق وإيران وعلاجنا لأعداد كبيرة جدا من الجنود والضباط المصابين. فقد رأي صدام وقتها أننا بحاجة إلي مبان أحدث لنتمكن من تطوير مهاراتنا في مجال جراحات التجميل.
ننتظر التكييف والمصاعد
ولكن أعمال البناء توقفت بعد الحرب علي الكويت بعد تطبيق العقوبات الاقتصادية علي العراق. كان حسين كامل هو رئيس اللجنة وقتها وكانت الأولوية بالنسبة له هي استيراد ما يحتاجه الجيش والتصنيع.
ولم يفكر أبدا في شراء ما نحتاجه من جهاز تكييف مركزي أو مصاعد.
وكل ما قاله لي عندما توقفت أعمال البناء: «قريبا سيبدأ العراق في إنتاج مثل هذه الأشياء».
وكان صدام قد سأل في عام 1996 عما إذا كان العمل يتقدم وأجبته بأننا لا نزال في انتظار التكييف والمصاعد وغضب الرئيس جدا وسألني «لماذا لم تخبرني من قبل»؟
فأجبته: «لأني أعرف أنك مشغول بما هو أهم».
«لا.. هذا هراء. إن استكمال العمل في هذا المركز له أهمية كبيرة بالنسبة للأمة كلها. سأهتم بهذا الأمر بنفسي». وكتب خطابا موجها للوزراء المعنيين.
وعندما اجتمعت اللجنة العليا للتعليم والتدريب الطبي في ذلك اليوم من شهر يناير عام 2002 لم يكن قد تغير شيء في وضع المركز الطبي، فما زال المبني غير المكتمل بطوابقه الخمسة واقفا كما كان عندما توقف العمل فيه سنة 1991.
بعد الاجتماع جاءني الرئيس وأمسك بذراعي وقال: «لقد أجبت عن سؤالي عن المركز الطبي وقلت ان العمل يتقدم ولكنك لم توضح ما تقصد».
كان صدام قد أرسل حراسه إلي هناك قبل أيام ليقفوا علي حقيقة الأمر وقد أخبروه أن العمل بالمركز متوقف تماما.
فقلت له: «بالنظر للظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا فأنا أظن أن إجابتي كانت سليمة».
معاقبة أحد ما
فلم يكن بإمكاني أن أشتكي للرئيس من كل ما يواجهنا من مشاكل لأنه كان سيبحث عن أي مسؤول في الهيئات الحكومية ليعاقبه، وبالتالي كان سيعاقب أحدهم وربما بغير ذنب. وكانت العقوبة في أفضل الأحوال فترة سجن طويلة.
وعندما كان الرئيس يغضب كان يتحول إلي خطر علي حياة الآخرين.
قال لي صدام: «اسمع يا دكتور، إذا كنت تريد أن ينتهي العمل في المركز بسرعة فعليك أن تذهب إلي المسؤول في مكتبه وتجذبه من رقبته وتضرب به الحائط ثم تطلب منه ما تريد. إذا بقيت مهذبا فلن تصل إلي شيء».
فأخبرته أنني أريد أن ابذل قصاري جهدي عن طريق القنوات الشرعية وقلت له:
«إذا ظهرت مشاكل لا أستطيع التغلب عليها فأنا أعرف أنني يمكنني اللجوء إليك» وكان الدكتور همام عبدالخالق سامعا لحديثنا، واستأذن صدام في أن يضيف شيئا: المشكلة هي أن تصورات الدكتور علاء وطموحاته أعلي بكثير من قدرات وزاراتنا. فنظر إليه الرئيس وقال:
«هل يجب إذاً أن نطلب من الدكتور علاء أن يستسلم، فقط لأنكم لا تفهمون طلباته»؟
ثم نظر إلي سكرتيره عبد حمود الذي كان يسحبه وراءه دائما وقال له:
«أصدر لجميع الوزارات والإدارات تعليمات مني ومن مجلس قيادة الثورة بأن يتعاونوا مع الدكتور علاء لإنهاء العمل في المركز».
دون فائدة
وأضاف الرئيس أن عبد حمود سيهتم شخصيا بالمشروع لذلك يجب عليَّ أن أكون علي اتصال مباشر معه.
وقبل أن يذهبوا أخذني حمود بعيدا عن الآخرين وقال لي:
«من الأفضل ألا تتصل بي شخصيا لأنني أكون عادة مشغولا جدا. اتصل بأحد المعاونين لي إذا صادفتك مشاكل».
وكما توقعت لم ينته العمل في المركز أبدا، وكل اتصالاتي بمعاوني حمود بقيت بلا فائدة.
تبعا للمصادر الرسمية كان قطاع البحث العلمي والتنمية يتطور بشكل كبير، فقد كان صدام يوزع الأوسمة الذهبية والفضية بكل سخاء علي الباحثين والعلماء الذين تميزوا بأعمالهم الفريدة.
وفي الليلة نفسها التي احتفلنا فيها باليوبيل العاشر قلدني الرئيس ميدالية ذهبية تكريما لي علي مجموعة من المقالات التي نشرت لي في واحدة من أشهر المجلات العلمية الطبية المختصة بجراحات التجميل.
كان عدد الذين كرمهم طارق عزيز مائة وعشرين شخصا. كان من بينهم اثنان من العلماء الذين تجاذبت معهم أطراف الحديث وأخبراني أنهما من معهد الأبحاث الذرية. وانتهزت الفرصة وسألتهما ما إذا كانت الإشاعة التي تتردد حول أن صدام يعمل علي إنتاج أسلحة ذرية صحيحة.
فأجابني أحدهما: «هذه الاشاعة ليس لها أي أصل من الصحة. لقد توقف هذا المشروع منذ سنوات عديدة. ولكن بعض الزملاء يكتبون تقارير وبرامج تطوير مطولة من أجل الحصول علي الشهرة أو علي بعض العلاوات».
جوائز بالجملة
كان مجموع الجوائز أربعين ميدالية ذهبية وثمانين ميدالية فضية ومبلغ 250000 دينار لكل واحد منا وكانت قيمة المبلغ وقتها حوالي مائة دولار أميركي.
وكانت أعلي جائزة يمكن لأحد أن يكرم بها هي جائزة صدام التي بدأ الرئيس سنة 2002 في منحها. وقد حصل عليها حوالي ستة أو سبعة أشخاص، كنت من بينهم وكانت الجائزة تمنح نظير «الخدمة الفريدة والممتدة للشعب».
وكانت أسباب المنح التي أعلنتها اللجنة هي عملي كجراح تجميل ومدير لمستشفي الواسطي الذي تغير اسمه سنة 1996 إلي مركز صدام لجراحات التجميل.
ولكن الرئيس تدخل وغير اسباب منحي الجائزة وكتب:
يمكن لأي شخص أن يقوم بإنجازات فريدة في مجال الطب ولكن من النادر جدا أن يقوم أحد بإنجاز متميز في مجال الفنون. ولذلك فقد استحق الدكتور علاء الجائزة بصفته «فنانا وليس كجراح تجميل». وطبقا للوائح كانت تمنح جائزة صدام مرة واحدة فقط لنفس الشخص، لذلك فقد دُهشت عندما حصلت عليها مرة أخري في بداية مارس 2003 قبل الحرب بأسابيع قليلة. كان صدام قد قرر منحي الجائزة بشكل استثنائي وكان عددنا هذه المرة قليلا جدا، تلقينا جوائزنا لخدمتنا للشعب العراقي، وهذه المرة تم تكريمي كطبيب.
100 في المائة
ولم أدر أبدا المبلغ المخصص لهذه الجائزة. وكان من المفترض أن يحدد صدام مبلغ الجائزة ولكن جنود الغزو الأميركي عاجلوه، ولم أحصل لا أنا ولا الآخرين علي جائزة مادية أو ميدالية أو شهادة تقدير تذكرنا بتكريمنا من قبل رئيس نجح في الانتخابات سنة 2002 بنسبة 100%، ليبقي في منصبه لسبع سنوات أخري.
وكما أعلن عزت إبراهيم الدوري المسؤول عن الإشراف علي عملية الاستفتاء فقد كانت نسبة المشاركين في الانتخابات هي أيضا 100%.
في السادس من يناير تم إلغاء العرض العسكري الذي يقام في عيد الجيش.
فقد اصبح من الواضح لكل مواطن عراقي عاقل أن العد التنازلي للحرب ضد أميركا وبريطانيا قد بدأ وأن العراق ليس لديه أي قدرة علي المقاومة. وبينما كان المفتشون يبحثون بلا جدوي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق التي لم تكن بحوزة صدام، وبينما كانت التهديدات تنهال علينا من واشنطن ولندن، إذا بقصي يطلبني إلي بيته. ابنته ذات الخمس عشر سنة لم تكن راضية عن أنفها، وطلبت مني الأسرة أن أعدله.
تعديل الأنوف
بينما تدق طبول الحرب علي مشارف العراق كانت عائلة صدام منشغلة بمثل هذه الأمور. وعلي أي حال فقد كانت عملية بسيطة، قد أجريتها آلاف المرات في مستشفي المنصور من قبل.
وفي اليوم التالي طلبت إلي بيت رغد ابنة صدام زوجة حسين كامل فقد كانت ابنتها، حفيدة صدام ذات الستة عشر ربيعا، حرير، تريد تجميل أنفها هي الأخري.
وكأنهم لم يكتفوا بذلك.. فقد اتصلت بي بعدها أخت زوجة قصي للسبب نفسه. وفي الخامس عشر من فبراير كنت قد انتهيت من الثلاث عمليات.
وقد لفت نظري أن عائلة صدام لم تكن تدرك ما ينتظرها وما تعنيه الحرب وما ستجلبه عليهم. لم يكن تقييمهم للأمور سليما كما ظهر لاحقا فيما بعد.
في الثالث عشر من شهر مارس قبل بدء الحرب بأسبوع أجريت آخر فحص علي مريضاتي الثلاث. ولفت نظري اختفاء جميع النجف والأثاث الإيطالي من بيت قصي في الجادرية وبدا البيت شبه خال. كان للموت رائحة في ذلك المكان.
مصطفي ابن قصي
وكان قصي حاضرا عندما كنت أفحص ابنته، وبعد انتهائي من عملي دعاني لشرب القهوة معه، وكان ابنه الكبير مصطفي حاضرا أيضا. وكنا متفاهمين جدا، وكان يعطيني عند كل زيارة كمية كبيرة من الشوكولاته. كان مصطفي في غاية النشاط والحركة.
وعندما هاجمت قوات الاحتلال المكان الذي اختبأ فيه صدام بعد سقوط حكومته وبدأوا في إطلاق النار عليه وعلي عدي وقصي وابنه، قاومهم هذا الغلام ذو الثلاث عشرة سنة لأطول فترة ممكنة، ولكن لم تنفعهم كثيرا الأسلحة الرشاشة التي كانت معهم ضد نيران العدو المتفوقة.
كان قصي يرتدي بذلة صفراء أنيقة بخطوط بنية. ولم يبد عليه أنه في حالة جيدة وكان شارد الذهن. سألته عن حاله فقال انه كالمعتاد وقال: «عندما يتوقف الأساتذة والأطباء المتخصصون من جيلك عن العمل، فستحدث فجوة كبيرة». فقلت له:
«هذه الفجوة موجودة بالفعل» ثم ذكرته أن الحكومة قامت بتسريح أكثر من أربعين من المتخصصين والأساتذة في بداية الثمانينات لتعطي الفرصة لمجموعة من الأطباء الصغار أصحاب العلاقات بحزب البعث في الترقي السريع.
وقلت له: إن المشكلة لن تحل عندما نشغل المناصب المهمة بمن لا تتوافر فيهم المؤهلات اللازمة. افترض مثلا اني أطلب منك ترقية ضابط صغير ليصبح لواء ليقود فرقة أو لواء. فهل ستفعل ذلك؟
«هل تقصد تعيين عميد كلية الطب في جامعة بغداد»؟
فأجبته: «مثلا».
أما في كلية الطب التي كنت أستاذا فيها فلم يكن الوضع لحسن الحظ بهذا السوء وبالرغم من ذلك فقد وصل إلينا مهرجان الفساد الذي أحاط بالرئيس: كان لدي عبدحمود الذي حصل علي الدكتوراه في العلوم السياسية منذ فترة وجيزة الرغبة في أن يري ابنه طبيبا وفي الظروف الطبيعية لم يكن ابنه ليصبح طبيبا أبدا. كان خضر الجنابي المشرف عليه طبيباَ مساعدا في مقتبل العمر، وكان يعمل في مستشفي بغداد وفجأة سطع نجمه وترقي في المجتمع الأكاديمي بسرعة خاطفة لم نرها منذ حصول عدي علي درجة الدكتوراه في العلوم السياسية علم الاقتصادي السياسي في المؤسسة التعليمية نفسها. في غضون سنتين تحول الطبيب المساعد الجنابي إلي طبيب أول ثم إلي عميد الكلية.
ولولا دخول الأميركان العراق وسقوط الحكومة في شهر إبريل 2003 لكان عمر عبدالآن حاصلا علي شهادة في الطب وبأعلي التقديرات بلا شك.
أنا لا أشك في أن صدام كانت لديه الرغبة في وضع حد لهذه المأساة التي انتشرت في الجامعات والمعاهد العليا. ولكن وضعه كان يزداد انعزالا ولم يعد قادرا علي إجراء حملة تطهير بين رجاله المخلصين جدا، الذين كانوا في الوقت ذاته فاسدين وعاجزين.
السيئ والجيد
ولأنه كان يخاف علي أمنه الشخصي بشكل مرض فلم يكن باستطاعته تعيين أناس جدد يكونون مناسبين لشغل المناصب القيادية ولم يجرؤ علي التخلص من الأوغاد الذين نسجوا حوله خيوطهم. كان دائما يقول: «شخص سيئ تعرفه خير من شخص جيد لا تعرف عنه شيئا».
وقابلته في نهاية شهر يناير من عام 2002 عندما احتفلت اللجنة العليا للتعليم والتدريب الطبي التي كنت عضوا فيها باليوبيل العاشر.
وكان الدكتور همام عبدالخالق وزير التعليم قد رجاني أن اعد تمثالا ليقدمه لصدام في الحفلة كتعبير عن الشكر والعرفان نظير دعمه لعمل اللجنة.
وفرح صدام بالتمثال جدا.
وسألني: «كيف تسير التوسعات في مركز جراحات التجميل»؟
فأجبته: «علي أفضل وجه». بالرغم من علمي بأن الوضع كان عكس ذلك.
كنا قد شرعنا في التوسعات بناء علي مبادرة من صدام قبل ست عشرة سنة، عندما أعجب وتحمس لعملنا الذي أديناه في مستشفي الواسطي أثناء الحرب بين العراق وإيران وعلاجنا لأعداد كبيرة جدا من الجنود والضباط المصابين. فقد رأي صدام وقتها أننا بحاجة إلي مبان أحدث لنتمكن من تطوير مهاراتنا في مجال جراحات التجميل.
ننتظر التكييف والمصاعد
ولكن أعمال البناء توقفت بعد الحرب علي الكويت بعد تطبيق العقوبات الاقتصادية علي العراق. كان حسين كامل هو رئيس اللجنة وقتها وكانت الأولوية بالنسبة له هي استيراد ما يحتاجه الجيش والتصنيع.
ولم يفكر أبدا في شراء ما نحتاجه من جهاز تكييف مركزي أو مصاعد.
وكل ما قاله لي عندما توقفت أعمال البناء: «قريبا سيبدأ العراق في إنتاج مثل هذه الأشياء».
وكان صدام قد سأل في عام 1996 عما إذا كان العمل يتقدم وأجبته بأننا لا نزال في انتظار التكييف والمصاعد وغضب الرئيس جدا وسألني «لماذا لم تخبرني من قبل»؟
فأجبته: «لأني أعرف أنك مشغول بما هو أهم».
«لا.. هذا هراء. إن استكمال العمل في هذا المركز له أهمية كبيرة بالنسبة للأمة كلها. سأهتم بهذا الأمر بنفسي». وكتب خطابا موجها للوزراء المعنيين.
وعندما اجتمعت اللجنة العليا للتعليم والتدريب الطبي في ذلك اليوم من شهر يناير عام 2002 لم يكن قد تغير شيء في وضع المركز الطبي، فما زال المبني غير المكتمل بطوابقه الخمسة واقفا كما كان عندما توقف العمل فيه سنة 1991.
بعد الاجتماع جاءني الرئيس وأمسك بذراعي وقال: «لقد أجبت عن سؤالي عن المركز الطبي وقلت ان العمل يتقدم ولكنك لم توضح ما تقصد».
كان صدام قد أرسل حراسه إلي هناك قبل أيام ليقفوا علي حقيقة الأمر وقد أخبروه أن العمل بالمركز متوقف تماما.
فقلت له: «بالنظر للظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا فأنا أظن أن إجابتي كانت سليمة».
معاقبة أحد ما
فلم يكن بإمكاني أن أشتكي للرئيس من كل ما يواجهنا من مشاكل لأنه كان سيبحث عن أي مسؤول في الهيئات الحكومية ليعاقبه، وبالتالي كان سيعاقب أحدهم وربما بغير ذنب. وكانت العقوبة في أفضل الأحوال فترة سجن طويلة.
وعندما كان الرئيس يغضب كان يتحول إلي خطر علي حياة الآخرين.
قال لي صدام: «اسمع يا دكتور، إذا كنت تريد أن ينتهي العمل في المركز بسرعة فعليك أن تذهب إلي المسؤول في مكتبه وتجذبه من رقبته وتضرب به الحائط ثم تطلب منه ما تريد. إذا بقيت مهذبا فلن تصل إلي شيء».
فأخبرته أنني أريد أن ابذل قصاري جهدي عن طريق القنوات الشرعية وقلت له:
«إذا ظهرت مشاكل لا أستطيع التغلب عليها فأنا أعرف أنني يمكنني اللجوء إليك» وكان الدكتور همام عبدالخالق سامعا لحديثنا، واستأذن صدام في أن يضيف شيئا: المشكلة هي أن تصورات الدكتور علاء وطموحاته أعلي بكثير من قدرات وزاراتنا. فنظر إليه الرئيس وقال:
«هل يجب إذاً أن نطلب من الدكتور علاء أن يستسلم، فقط لأنكم لا تفهمون طلباته»؟
ثم نظر إلي سكرتيره عبد حمود الذي كان يسحبه وراءه دائما وقال له:
«أصدر لجميع الوزارات والإدارات تعليمات مني ومن مجلس قيادة الثورة بأن يتعاونوا مع الدكتور علاء لإنهاء العمل في المركز».
دون فائدة
وأضاف الرئيس أن عبد حمود سيهتم شخصيا بالمشروع لذلك يجب عليَّ أن أكون علي اتصال مباشر معه.
وقبل أن يذهبوا أخذني حمود بعيدا عن الآخرين وقال لي:
«من الأفضل ألا تتصل بي شخصيا لأنني أكون عادة مشغولا جدا. اتصل بأحد المعاونين لي إذا صادفتك مشاكل».
وكما توقعت لم ينته العمل في المركز أبدا، وكل اتصالاتي بمعاوني حمود بقيت بلا فائدة.
تبعا للمصادر الرسمية كان قطاع البحث العلمي والتنمية يتطور بشكل كبير، فقد كان صدام يوزع الأوسمة الذهبية والفضية بكل سخاء علي الباحثين والعلماء الذين تميزوا بأعمالهم الفريدة.
وفي الليلة نفسها التي احتفلنا فيها باليوبيل العاشر قلدني الرئيس ميدالية ذهبية تكريما لي علي مجموعة من المقالات التي نشرت لي في واحدة من أشهر المجلات العلمية الطبية المختصة بجراحات التجميل.
كان عدد الذين كرمهم طارق عزيز مائة وعشرين شخصا. كان من بينهم اثنان من العلماء الذين تجاذبت معهم أطراف الحديث وأخبراني أنهما من معهد الأبحاث الذرية. وانتهزت الفرصة وسألتهما ما إذا كانت الإشاعة التي تتردد حول أن صدام يعمل علي إنتاج أسلحة ذرية صحيحة.
فأجابني أحدهما: «هذه الاشاعة ليس لها أي أصل من الصحة. لقد توقف هذا المشروع منذ سنوات عديدة. ولكن بعض الزملاء يكتبون تقارير وبرامج تطوير مطولة من أجل الحصول علي الشهرة أو علي بعض العلاوات».
جوائز بالجملة
كان مجموع الجوائز أربعين ميدالية ذهبية وثمانين ميدالية فضية ومبلغ 250000 دينار لكل واحد منا وكانت قيمة المبلغ وقتها حوالي مائة دولار أميركي.
وكانت أعلي جائزة يمكن لأحد أن يكرم بها هي جائزة صدام التي بدأ الرئيس سنة 2002 في منحها. وقد حصل عليها حوالي ستة أو سبعة أشخاص، كنت من بينهم وكانت الجائزة تمنح نظير «الخدمة الفريدة والممتدة للشعب».
وكانت أسباب المنح التي أعلنتها اللجنة هي عملي كجراح تجميل ومدير لمستشفي الواسطي الذي تغير اسمه سنة 1996 إلي مركز صدام لجراحات التجميل.
ولكن الرئيس تدخل وغير اسباب منحي الجائزة وكتب:
يمكن لأي شخص أن يقوم بإنجازات فريدة في مجال الطب ولكن من النادر جدا أن يقوم أحد بإنجاز متميز في مجال الفنون. ولذلك فقد استحق الدكتور علاء الجائزة بصفته «فنانا وليس كجراح تجميل». وطبقا للوائح كانت تمنح جائزة صدام مرة واحدة فقط لنفس الشخص، لذلك فقد دُهشت عندما حصلت عليها مرة أخري في بداية مارس 2003 قبل الحرب بأسابيع قليلة. كان صدام قد قرر منحي الجائزة بشكل استثنائي وكان عددنا هذه المرة قليلا جدا، تلقينا جوائزنا لخدمتنا للشعب العراقي، وهذه المرة تم تكريمي كطبيب.
100 في المائة
ولم أدر أبدا المبلغ المخصص لهذه الجائزة. وكان من المفترض أن يحدد صدام مبلغ الجائزة ولكن جنود الغزو الأميركي عاجلوه، ولم أحصل لا أنا ولا الآخرين علي جائزة مادية أو ميدالية أو شهادة تقدير تذكرنا بتكريمنا من قبل رئيس نجح في الانتخابات سنة 2002 بنسبة 100%، ليبقي في منصبه لسبع سنوات أخري.
وكما أعلن عزت إبراهيم الدوري المسؤول عن الإشراف علي عملية الاستفتاء فقد كانت نسبة المشاركين في الانتخابات هي أيضا 100%.
في السادس من يناير تم إلغاء العرض العسكري الذي يقام في عيد الجيش.
فقد اصبح من الواضح لكل مواطن عراقي عاقل أن العد التنازلي للحرب ضد أميركا وبريطانيا قد بدأ وأن العراق ليس لديه أي قدرة علي المقاومة. وبينما كان المفتشون يبحثون بلا جدوي عن أسلحة الدمار الشامل في العراق التي لم تكن بحوزة صدام، وبينما كانت التهديدات تنهال علينا من واشنطن ولندن، إذا بقصي يطلبني إلي بيته. ابنته ذات الخمس عشر سنة لم تكن راضية عن أنفها، وطلبت مني الأسرة أن أعدله.
تعديل الأنوف
بينما تدق طبول الحرب علي مشارف العراق كانت عائلة صدام منشغلة بمثل هذه الأمور. وعلي أي حال فقد كانت عملية بسيطة، قد أجريتها آلاف المرات في مستشفي المنصور من قبل.
وفي اليوم التالي طلبت إلي بيت رغد ابنة صدام زوجة حسين كامل فقد كانت ابنتها، حفيدة صدام ذات الستة عشر ربيعا، حرير، تريد تجميل أنفها هي الأخري.
وكأنهم لم يكتفوا بذلك.. فقد اتصلت بي بعدها أخت زوجة قصي للسبب نفسه. وفي الخامس عشر من فبراير كنت قد انتهيت من الثلاث عمليات.
وقد لفت نظري أن عائلة صدام لم تكن تدرك ما ينتظرها وما تعنيه الحرب وما ستجلبه عليهم. لم يكن تقييمهم للأمور سليما كما ظهر لاحقا فيما بعد.
في الثالث عشر من شهر مارس قبل بدء الحرب بأسبوع أجريت آخر فحص علي مريضاتي الثلاث. ولفت نظري اختفاء جميع النجف والأثاث الإيطالي من بيت قصي في الجادرية وبدا البيت شبه خال. كان للموت رائحة في ذلك المكان.
مصطفي ابن قصي
وكان قصي حاضرا عندما كنت أفحص ابنته، وبعد انتهائي من عملي دعاني لشرب القهوة معه، وكان ابنه الكبير مصطفي حاضرا أيضا. وكنا متفاهمين جدا، وكان يعطيني عند كل زيارة كمية كبيرة من الشوكولاته. كان مصطفي في غاية النشاط والحركة.
وعندما هاجمت قوات الاحتلال المكان الذي اختبأ فيه صدام بعد سقوط حكومته وبدأوا في إطلاق النار عليه وعلي عدي وقصي وابنه، قاومهم هذا الغلام ذو الثلاث عشرة سنة لأطول فترة ممكنة، ولكن لم تنفعهم كثيرا الأسلحة الرشاشة التي كانت معهم ضد نيران العدو المتفوقة.
كان قصي يرتدي بذلة صفراء أنيقة بخطوط بنية. ولم يبد عليه أنه في حالة جيدة وكان شارد الذهن. سألته عن حاله فقال انه كالمعتاد وقال: «عندما يتوقف الأساتذة والأطباء المتخصصون من جيلك عن العمل، فستحدث فجوة كبيرة». فقلت له:
«هذه الفجوة موجودة بالفعل» ثم ذكرته أن الحكومة قامت بتسريح أكثر من أربعين من المتخصصين والأساتذة في بداية الثمانينات لتعطي الفرصة لمجموعة من الأطباء الصغار أصحاب العلاقات بحزب البعث في الترقي السريع.
وقلت له: إن المشكلة لن تحل عندما نشغل المناصب المهمة بمن لا تتوافر فيهم المؤهلات اللازمة. افترض مثلا اني أطلب منك ترقية ضابط صغير ليصبح لواء ليقود فرقة أو لواء. فهل ستفعل ذلك؟
«هل تقصد تعيين عميد كلية الطب في جامعة بغداد»؟
فأجبته: «مثلا».
khalid- عضو مبدع
- عدد الرسائل : 313
۞ تاريخ التسجيل : 26/10/2007
احترام قوانين المنتدى :
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى